قال السَّرِىُّ: خَفِيَتْ عليَّ عِلَّةٌ ثلاثينَ سَنَةً ، وذلك أنَّا كُنَّا جَماعةً نُبَكِّرُ إلى الْجُمُعَةِ، ولنا أَماكِنُ قد عُرِفَتْ بنا لا نَكادُ أَنْ نَخْلُوَ عنها ، فَماتَ رَجُلٌ مِن جِيرَانِنَا يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَيِّعَ جِنَازَتَهُ فَشَيَّعْتُهَا وأَضْحَيْتُ عن وَقْتِي ، ثم جِئْتُ أُرِيدُ الْجُمُعَةَ ، فَلَمَّا أنْ قَرُبْتُ مِنَ المسجدِ قالتْ لي نَفْسِي: الآنَ يَرَوْنَكَ وقد أَضْحَيْتَ وتَخَلَّفْتَ عن وَقْتِكَ. فَشَقَّ ذلك عليَّ ، فقلتُ لِنَفْسِي: أَرَاكِ مُرَائِيَةً مُنْذُ ثلاثينَ سَنَةً وأنا لا أَدْرِي . فَتَرَكْتُ ذلكَ المكانَ الذي كُنْتُ آتِيهِ فَجَعَلْتُ أُصَلِّي في أماكنَ مختلفةٍ لِئَلاَّ يُعْرَفَ مكاني هذا . عن محمدِ بْنِ سِيرِينَ قال: إِنَّ هَذاالْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ . قال بِلالُ بْنُ سَعْدٍ : الذِّكْرُ ذِكْرَانِ : ذِكْرٌ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ جَمِيلٌ ، وذِكْرُ اللهِ عِنْدَ ما أَحَلَّ وحَرَّمَ أَفْضَلُ . سُئِلَ ذُو النُّونِ: ما لنا لا نَقْوَى علَى النَّوافِلِ ؟ قال: لأَنَّكُم لا تُصِحُّونَ الْفَرائِضَ . عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أنَّه قال: ما فَاتَتْنِي الصَّلاةُ في الجماعةِ مُنْذُ أربعينَ سنةً،وما أذَّنَ الْمُؤَذِّنُ مُنْذُ ثلاثينَ سنةً إِلاَّ وأنا في الْمَسْجِدِ . وقالَ: لَيْسَ سَاعَةٌ مِن ساعاتِ الدُّنيا إِلاَّ وَهِيَ مَعْرُوضَةٌ علَى الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمًا فَيَوْمًا وسَاعةً فَساعةً، ولا تَمُرُّ به ساعةٌ لَمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعالَى فيها إِلاَّ تَقَطَّعَتْ نَفْسُه عليها حَسَرَاتٍ، فَكَيْفَ إذا مَرَّتْ به ساعةٌ معَ ساعةٍ ويومٌ معَ يومٍ ولَيْلَةٌ مَعَ لَيْلَةٍ ؟‍‍! قال الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: دَخَلْتُ على الشافعيِّ وهو عَلِيلٌ فَسألَ عن أصحابِنا وقال: يا بُنَيَّ لَوَدَدْتُ أنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ تَعَلَّمُوا ـ يُرِيدُ كُتُبَهُ ـ ولا يُنْسَبُ إليّ منه شَيْءٌ . وقالَ بِشْرٌ الْحَافِي: الْعَجَبُ أنْ تَسْتَكْثِرَ عَمَلَكَ وتَسْتَقِلَّ عَمَلَ النَّاسِ . قال الْمُقَرَّبُونَ مِنَ الأَعْمَشِ: ظَلَّ الأَعْمَشُ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ تَفُتْهُ التَّكْبِيرَةُ الأُولَى ولا الصَّفُّ الأَوَّلُ، وكانَ يَلْتَمِسُ الْحَائِطَ حَتَّى يَقُومَ في الصَّفِّ الأَوَّلِ . وكان وَكِيعٌ يَذْهَبُ إليه قَرِيبًا مِنْ سِتِّينَ سَنَةً فَما رآهُ يَقْضِي رَكْعَةً . قال أبو الدرداء: حَذَرُ امْرِئٍ أَنْ تُبْغِضَهُ قُلُوبُ المؤمنينَ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُ ، وذلك أنَّ الْعَبْدَ يَخْلُو بِمَعاصِي اللهِ عزَّ وجلَّ فَيُلْقِي اللهُ بُغْضَهُ في قُلُوبِ المؤمنينَ مِن حيثُ لا يَشْعُرُ . قال حيلان بن فروة : إذا فُتِحَ لِأَحَدِكم بابُ خَيْرٍ فَلْيُسْرِعْ إليه فإِنَّهُ لا يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ عنه . وقال ابن مسعود : لاَ يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلاً، فَإِنْ آمَنَ آمَنَ، وإِنْ كَفَرَ كَفَرَ، فإنْ كُنْتُمْ لاَبُدََّ مُقْتَدِينَ فَاقْتَدُوا بِالْمَيِّتِ، فإِنَّ الْحَيَّ لا تُؤْمَنُ عليه الْفِتْنَةُ. وقال سفيان الثوري : ما ضَرَّهُمْ ما أَصَابَهُمْ في الدُّنْيَا، جَبَرَ اللهُ لهم كُلََّ مُصِيبَةٍ بِالْجَنَّةِ . وقال مكحولٌ: رَأَيْتُ رَجُلاً يُصَلِّي وكُلَّمَا رَكَعَ أو سَجَدَ بَكَى، فَاتَّهَمْتُهُ أَنَّه يُرَائِي بِبُكَائِهِ، فَحُرِمْتُ الْبُكَاءَ سَنَةً . وقال: رأيتُ الدُّنيا في النَّوْمِ عَجُوزًا حَدْبَاءَ مُشَوَّهَةً تُصَفِّقُ بِيَدَيْهَا، وخَلْفَها خَلْقٌ يَتْبَعُونَها يُصَفِّقُونَ ويَرْقُصُونَ، فَلَمَّا كانتْ بِحِذَائِي أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فقالتْ: لَوْ ظَفَرْتُ بكَ صَنَعْتُ بكَ ما صَنَعْتُ بِهؤلاءِ . قال أبو حازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ: كُلُّ نِعْمَةٍ لا تُقَرِّبُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ فَهِيَ بَلِيَّةٌ. قال سفيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَوْحَى اللهُ تعالى إلى مُوسَى عليهِ السَّلامُ : إنَّ أَوَّلَ مَن ماتَ إِبْلِيسُ، وذلك أَنَّهُ أَوَّلُ مَن عَصانِي، وأَنا أَعُدُّ مَن عَصانِي مِنَ الْمَوْتَى ! وقال الشافعي : مَنْ وَعَظَ أخاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وزَانَهُ ، ومَنْ وَعَظَهُ عَلانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وخَانَهُ . كان أبو بكرٍ الْكِتَّانِيُّ يقولُ: إذا سألتَ اللهَ التَّوْفِيقَ فَابْتَدِئْ بِالْعَمَلِ . قال أبو حَبِيبٍ الْبَدَوِيُّ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مَنْعُ اللهِ عَطاءٌ، وذلك أَنَّه لا يَمْنَعُ مِن بُخْلٍ ولا عُدْمٍ ، إِنَّما مَنْعُهُ نَظَرٌ وَاخْتِبَارٌ . قال الشافعي: طَلَبُ العلمِ أَفْضَلُ مِن صَلاةِ النَّافلةِ . كانَ أبو الْجَوْزَاءِ يَقُولُ: لَوْ أنَّ أُنَاسًا مِن فُقَهَائِكموأَغْنِيَائِكُمُ انْطَلَقُوا إلى رجلٍ فَقِيهٍ غَنِيٍّ فَسَألُوهُ كُوزًا مِن ماءٍ أَكانَ يُعْطِيهِم ؟ قالوا : يا أَبا الْجَوْزَاءِ ومَن يَمْنَعُ كُوزًا مِن ماءٍ؟ قال أبو الجوزاءِ: وَاللهِ إِنَّ اللهَ أَجْوَدُ بِجَنَّتِه مِن ذلك الرَّجُلِ بذلكَ الْكُوزِ مِن ماءٍ. قال عليُّ بْنُ أَبِي طالِبٍ : الْعَمَلُ الصَّالِحُ هو الذي لا تُحِبُّ أَنْ يَحْمَدَكَ عليه أَحَدٌ إِلاَّ اللهَ . عن حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قال: قال لنا أَيُّوبُ: إِنَّكَ لا تُبْصِرُ خَطَأَ مُعَلِّمِكَ حتَّى تُجَالِسَ غَيْرَه، جالِسِ النَّاسَ . قال الْخَلِيفَةُ سليمانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لأبي حازمٍ : اِرْفَعْ إليَّ حاجَتَكَ، قال: أَيْهَاتَ، أَيْهَاتَ، قد رَفَعْتُهَا إلى مَنْ لا تُخْتَزَنُ الْحَوَائِجُ دُونَهُ، فَما أَعْطَانِي منها قَنَعْتُ، وما زَوَى عَنِّي رَضِيتُ . رَوَى عبدُ الرحمنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قال: كانَ أبي يقولُ: أَيْ بُنَيَّ، وكيفَ تُعْجِبُكَ نَفْسُكَ وأنتَ لا تَشاءُ أنْ تَرَى مِن عِبَادِ اللهِ مَن هوَ خَيْرٌ مِنْكَ إِلاَّ رَأَيْتَهُ ؟ يا بُنَيَّ لا تَرَى أَنَّكَ خَيْرٌ مِن أَحَدٍ يَقُولُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ حتَّى تَدْخُلَ الْجنةَ ويَدْخُلَ النارَ ، فإذا دخلتَ الجنةَ ودخلَ النارَ تَبَيَّنَ لكَ أَنَّكَ خيرٌ منه . وقال: الْحِكْمَةُ تَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ فَلا تَسْكُنُ قَلْبًا فيه أَرْبَعَةٌ : الرُّكُونُ إلى الدُّنيا، وهَمُّ غَدٍ، وحُبُّ الْفُضُولِ ، وحَسَدُ أَخٍ . قال سفيان الثوري: ليس طَلَبُ العلمِ فُلانٌ عن فلانٍ، إنَّما طَلَبُ العلمِ الْخَشْيَةُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ عن بكرِ بْنِ عبدِاللهِ قال: إنَّ اللهَ لَيُجْرِعُ عَبْدَهُ المؤمنَ مِنَ الْمَرَارَةِ لِمَا يُرِيدُ به مِن صَلاحِ عاقِبَةِ أَمْرِهِ . قال بكرٌ : أَمَا رَأَيْتُمُ الْمَرْأَةَ تَسْقِي وَلَدَها الصَّبْرَ تُرِيدُ به عافِيَتَهُ ؟ وقال سفيان بْن ُعُيَيْنَةَ: قالَتِ العلماءُ : الْمَدْحُ لا يَغُرُّ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ . وقال: مَنْ نَظَرَ الأشياءِ بِعَيْنِ الْفَناءِ كانتْ رَاحَتُهُ في مُفَارَقَتِهَا ، ولَمْ يَأْخُذْ منها إِلاَّ لِوَقْتِه . كانَ الإمامُ مالكٌ يَقُولُ لِمَنْ أَتَى يَتَعَلَّمُ منه الْحَدِيثَ : ابْنَ أَخِي ، تَعَلَّمِ الأَدَبَ قَبْلَ أنْ تَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ . قال حَبِيبٌ: لا تَقْعُدُوا فُرَّاغًا فإِنَّ الْمَوْتَ يَلِيكُمْ. قال الشافعي: السَّخَاءُ وَالْكَرَمُ يُغَطِّيَانِ عُيُوبَ الدُّنيا والآخِرَةِ، بَعْدَ أَلاَّ يَلْحَقَهُمَا بِدْعَةٌ . رَأَى إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ رَجُلاً يَتَحَدَّثُ بِكَلامٍ لَيْسَ فيه فائدةٌ، فقال له: كَلامُكَ هذا تَرْجُو فيه ثَوَابًا ؟ قال: لا، قال: فَتَأْمَنُ عليه مِنَ الْعِقَابِ ؟ قال: لا، قال: فَما تَصْنَعُ بِشَيْءٍ لا تَرْجُو فِيهِ ولا تَأْمَنُ عَلَيْهِ ؟ قال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : بابٌ واحدٌ أَتَعَلَّمُه مِنَ الْعِلْمِ أَحَبُّ إليَّ مِنَ الدنيا وما فيها . سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ: هَلْ كانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُونَ ؟ قال: نَعَمْ، والإيمانُ في قُلُوبِهم أَعْظَمُ مِنَ الْجِبَالِ . قال سفيانُ بْنُعُيَيْنَةَ: لا تَأْسَ علَى ما فاتَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ لو رُزِقْتَ لأَتَاكَ ! كان بينَ خالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وسَعْدٍ كَلامٌ ، فَذَهَبَ رجلٌ يَقَعُ في خالدٍ عندَ سَعْدٍ فقالَ سعدٌ : مَهٍ ، إنَّ ما بَيْنَنا لَمْ يَبْلُغْ دِينَنا ! عن سعيدِبنِ الْمُسَيَّبِ قال: مَنِ اسْتَغْنَى بِاللهِ افْتَقَرَ الناسُ إليه . قال إبراهيمُ بنُ أدهمَ: لَمْ يَصْدُقِ اللهََ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ . كانَ ابْنُ عَيَّاشٍ الْمَنْتُوفُ يَقَعُ في عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ ويَشْتُمُهُ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ فقال: يا هذا لا تُفْرِطْ في شَتْمِنَا وأَبْقِ لِلصُّلْحِ مَوْضِعًا، فَإِنَّا لا نُكَافِئُ مَنْ عَصَى اللهَ فِينَا بِأَكْثَرَ مِنْ أنْ نُطِيعَ اللهَ فيه . قالَ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ: لَيْسَ مِن أَعْلاَمِ الْحُبِّ أنْ تُحِبَّ ما يُبْغِضُ حَبِيبُكَ. وقال مَحْفُوظٌ : أَكْثَرُ النَّاسِ خَيْرًا أَسْلَمُهُمْ صَدْرًا لِلْمُسْلِمِينَ . دَخَلَ علَى أبي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ رجلٌ فقال: إِنِّي أَخافُ مِن فُلاَنٍ ، فقال : لا تَخَفْ منه ، فَإِنَّ قَلْبَ مَن تَخافُهُ بِيَدِ مَنْ تَرْجُوهُ . قال أبو الدَّرْدَاءِ: الناسُ ثلاثةٌ: عالمٌ ، ومتعلمٌ ، والثالثُ هَمَجٌ لا خَيْرَ فيه. عادَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فقالَ سُفْيَانُ: يا أَبا سَلَمَةَ أَتَرَى يَغْفِرُ اللهُ لِمِثْلِي؟ فقالَ حَمَّادٌ: واللهِ لَوْ خُيِّرْتُ بينَ مُحَاسَبَةِ اللهِ إِيَّايَ وبينَ مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ لَاخْتَرْتُ مُحاسَبةَ اللهِ تَعالَى على مُحَاسَبةِ أَبَوَيَّ، وذلكَ أنَّ اللهَ تَعالَى أَرْحَمُ بِي مِن أَبَوَيَّ . قالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : ما رأيتُ مِثْلَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلَ، صَحِبْنَاهُ خَمْسِينَ سَنَةً ما افْتَخَرَ علينا بِشَيْءٍ مِمَّا كان فيه مِنَ الصَّلاحِ وَالْخَيْرِ . قال أبو حازم: مَنْ عَرَفَ الدُّنيا لَمْ يَفْرَحْ فيها بِرَخَاءٍ ولَمْ يَحْزَنْ علَى بَلْوَى . وقالَ بشر الحافي : اُكْتُمْ حَسَناتِكَ كَما تَكْتُمُ سَيِّئَاتِكَ . إذا لم يكن ما تريد ، فَأَرِدْ ما يكون قال الشافعي: العلمُ مُرُوءَةُ مَن لا مُرُوءَةَ له كان عمرُ يقولُ: أَحْسِنْ بِصَاحِبِكَ الظَّنَّ حتى يَغْلِبَكَ، وإذا سَمِعْتَ كَلِمَةً مِن امْرِئٍ مُسْلِمٍٍ فلا تَحْمِلْهَا علَى شَيْءٍ مِنَ الشَّرِّ ما وَجَدْتَ لها مَحْمَلاً مِنَ الْخَيْرِ . وقال بِلالٌ بن سعد: لا تَكُنْ وَلِيًّا للهِ في الْعَلانِيَةِ وعَدُوَّهُ في السِّرِّ. وقال سفيان بْنُعُيَيْنَةَ: مَنْ رَأَى أَنَّه خَيْرٌ مِن غَيْرِهِ فَقَدِ اسْتَكْْبَرَ، وذَاكَ أنَّ إِبْلِيسَ إِنَّما مَنَعَهُ مِنَ السُّجُودِ لآدَمَ عليه السَّلامُ اسْتِكْبَارُهُ . قال ابْنُ سِيرِينَ: إِنِّي لأَعْرِفُ الذَّنْبَ الذِي حُمِلَ عَلَيَّ به الدَّيْنُ ما هو ؛ قُلْتُ لِرَجُلٍ مِن أَرْبَعِينَ سنةً يَا مُفْلِسُ!فَلَمَّا سَمِعَ أبو سليمانَ الدَّارَانِيُّ ذلكَ قال: قَلَّتْ ذُنُوبُهم فَعَرَفُوا مِن أَيْنَ يُؤْتَوْنَ ، وكَثُرَتْ ذُنُوبُنَا وذُنُوبُكَ فَلَيْسَ نَدْرِي مِن أينَ نُؤْتَى . قال أحمدُ بنُ أبي الْحَوَارِيِّ: إذا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بِتَرْكِ الدُّنيا عندَ إِدْبَارِهَا فهو خُدْعَةٌ، وإذا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بِتَرْكِهَا عندَ إِقْبَالِهَا فَذَاكَ . ذُكِرَ عِنْدَ الإمامِ أَحْمَدَ يَوْمًا رَجُلٌ ، فقالَ : يا بُنَيَّ الْفَائِزُ مَن فازَ غَدًا ولَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عندَه تَبِعَةٌ . عن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قال: يُقَالُ مَنِ اتَّقَى اللهَ أَحَبَّهُ الناسُ وإِنْ كَرِهُوا . وقال يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: لا تَسْتَبْطِئِ الإِجَابَةَ وقَدْ سَدَدْتَ طُرُقَاتِهَا بِالذُّنُوبِ . قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: لَمْ يُدْرِكْ عِندَنا مَن أَدْرَكَ بِكَثْرَةِ صِيَامٍ ولا صَلاةٍ ، وإِنَّما أَدْرَكَ عِنْدَنا مَنْ أَدْرَكَ بِسَخَاءِ الأَنْفُسِ وسَلامَةِ الصُّدُورِ وَالنُّصْحِ لِلأُمَّةِ. قِيلَ لِحَمْدُونَ بْنِ أحمدَ: ما بَالُ كَلامِ السَّلَفِ أَنْفَعُ مِن كَلامِنَا ؟ قال: لأَنَّهم تَكَلَّمُوا لِعِزِّ الإسلامِ ونَجاةِ النُّفُوسِ ورِضَاءِ الرحمنِ ، ونحنُ نَتَكَلَّمُ لِعِزِّ النَّفْسِ وطَلَبِ الدُّنيا وقَبُولِ الْخَلْقِ . قال الرَّبيعُ: لا يَغُرَّنَّكَ كَثْرَةُ ثَناءِ النَّاسِ مِن نَفْسِكَ فإِنَّهُ خالِصٌ إليكَ عَمَلُكَ . قال رجلٌ لِلْحَسَنِ : يا أبا سَعِيدٍ: الرَّجُلُ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ، ثمَّ يُذْنِبُ ثم يَتُوبُ، حَتَّى مَتى؟ قال: ما أَعْلَمُ هذا إِلاَّ أَخْلاَقَ الْمُؤْمِنِينَ . قال جَعْفَرٌ الْخَلدِيُّ : الْفَرْقُ بينَ الرِّيَاءِ وَالإِخْلاَصِ أنَّ الْمُرَائِيَ يَعْمَلُ لِيُرَى وَالْمُخْلِصَ يعملُ لِيَصِلَ . قال إبراهيمُ بْنُ أحمدَ الْخَوَّاصُ : مَنْ لَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَظْفَرْ ، وإِنَّ لإِبْلِيسَ وَثاقَيْنِ ما أَوْثَقَ بَنِي آدَمَ بِأَوْثَقَ منهما : خَوْفَ الْفَقْرِ، والطَّمْعَ . عنْ حَيْلاَنَ بْنِ فَرْوَةَ أنَّ مُوسَى عليه السَّلامُ قال: إِلَهِي كيفَ أَشْكُرُكَ، وأَصْغَرُ نِعْمَةٍ وَضَعْتَها عِنْدِي مِن نِعَمِكَ لا يُجَازِي ِبَها عَمَلِي كُلُّه ؟ فَأَوْحَى اللهُ إليه: يا مُوسَى، الآنَ شَكَرْتَنِي ! قال جَعْفَرٌ بن محمد : قال مُوسَى : يا رَبِّ أَسْأَلُكَ أَلاَّ يَذْكُرَنِي أَحَدٌ إِلاَّ بِخَيْرٍ ، قال : ما فَعَلْتُ ذلك لِنَفْسِي ! عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه قال: لَمَّا ضُرِبَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ فَوَضَعَهُ علَى عَيْنَيْهِ وقال: أَنْتَ ثَمَرَةُ قَلْبِي وقُرَّةُ عَيْنِي ، بِكَ أُطْغِي وبِكَ أُكَفِّرُ وبِكَ أُدْخِلُ النَّارَ ، رَضِيتُ مِن ابْنِ آدَمَ بِحُبِّ الدُّنيا أَنْ يَعْبُدَكَ ! قال رجلٌ لِدَاوُدَ الطائِيِّ: يا أبا سليمانَ، لقد رَضِيتَ مِنَ الدنيا بِالْيَسِيرِ، قال: أَفَلاَ أَدُلُّكَ على مَن رَضِيَ بِأَقَلَّ منها ؟ مَنْ رَضِيَ بِالدُّنيا كُلِّهَا عِوَضًا عَنِ الآخِرَةِ ! قال رجلٌ لِلْحَسَنِ : يا أبا سَعِيدٍ: الرَّجُلُ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ، ثمَّ يُذْنِبُ ثم يَتُوبُ، حَتَّى مَتى؟ قال: ما أَعْلَمُ هذا إِلاَّ أَخْلاَقَ الْمُؤْمِنِينَ . سُئِلَ الْجُنَيْدُ بْنُ محمدٍ عنْ حَقِيقةِ الشُّكْرِ فقال : أَلاَّ يُسْتَعانَ بِشَيْءٍ مِن نِعَمِهِ علَى مَعاصِيه . قال بِشْرٌ الْحَافِي: إنْ لَمْ تَعْمَلْ بِالطَّاعَةِ فَلا تَعْصِ . وكَتَبَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى عمرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ يُعَزِّيهِ علَى ابْنِهِ؛ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّا قَوْمٌ مِن أَهْلِ الآخِرَةِ أُسْكِنَّا الدُّنيا، أَمْوَاتٌ أَبْنَاءُ أَمْوَاتٍ، وَالْعَجَبُ لِمَيِّتٍ يَكْتُبُ إلى مَيِّتٍ يُعَزِّيهِ عَنْ مَيِّتٍ. وَالسَّلامُ ! قال الشافعيُّ : ما ناظَرْتُ أحدًا قَطُّ إِلاَّ أَحْبَبْتُ أنْ يُوَفَّقَ ويُسَدَّدَ ويُعَانَ ويكونَ عليه رِعَايَةٌ مِنَ اللهِ وحِفْظٌ ، وما ناظرتُ أحدًا إِلاَّ ولَمْ أُبَالِ بَيَّنَ اللهُ الْحَقَّ على لِسَانِي أو لِسَانِه . قال أبو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: إنَّه لَيْسَ بينَ الْجَنَّةِ والنَّارِ طُرُقٌ ولا فَيَافِي ، ولا مَنْزِلٌ هُنَالِكَ لِأَحَدٍ؛ مَنْ أَخْطَأَتْهُ الْجَنَّةُ صارَ إلى النَّارِ . قال بنانُ الْبَغْدَادِيُّ: الْحُرُّ عَبْدٌ ما طَمِعَ ، وَالْعَبْدُ حُرٌّ ما قَنَعَ . عنْ أبي عَوَانَةَ قال: لو قِيلَ لِمَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ: إِنَّكَ مَيِّتٌ اليومَ أو غَدًا ، ما كان عندَه مِن مَزِيدٍ . قال أبو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: لَقِيتُ مائَتَيْنِ مِنْ مَشايِخِ الْعِلْمِ فمَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ ، لَمْ يَكُنْ يَخُوضُ في شَيْءٍ مِمَّا يَخُوضُ فيهِ الناسُ مِن أَمْرِ الدُّنيا ، فَإِذَا ذُكِرَ الْعِلْمُ تَكَلَّمَ . وقال: رَحِمَ اللهُ رَجُلاً لَمْ يَغُرّهُ كَثْرَةُ ما يَرى مِن كَثْرَةِ الناسِ، ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ تَموتُ وَحْدَكَ، وتَدْخُلُ الْقَبْرَ وحدَك،وتُبعثُ وحدَك، وتُحاسَبُ وحدَك، ابْنَ آدَمَ، وأنتَ الْمَعْنِيُّ وإِيَّاكَ يُرَادُ. سُئِلَ سفيانُ الثوريُّ: طَلَبُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إليكَ أَوِ الْعَمَلُ ؟ فقال: إِنَّمَا يُرَادُ الْعِلْمُ لِلْعَمَلِ، لا تَدَعْ طَلَبَ الْعِلْمِ لِلْعَمَلِ، ولا تَدَعِ الْعَمَلَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ . قال سفيانُ الثوريُّ: حُرِمْتُ قِيَامَ اللَّيْلِ بِذَنْبٍ أَحْدَثْتُهُ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ . قال ذُو النُّونِ: ما طابَتِ الدُّنيا إِلاَّ بِذِكْرِهِ، ولا طابَتِ الآخرةُ إِلاَّ بِعَفْوِهِ، ولا طابتِ الْجِنَانُ إلاَّ بِرُؤْيَتِه . قال محمدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ لأحمدَ بْنِ حَنْبَلَ : يا أبا عَبْدِ اللهِ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فإذا صَحَّ عندَكُمُ الْحَدِيثُ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فَأَخْبِرُونَا به حَتَّى نَرْجِعَ إليه . عن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ قال: هذا الَّذِي تَرَوْنَ كُلُّهُ أو عَامَّتُهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وما بِتُّ مُنْذُ ثلاثينَ سنةً إِلاَّ وأنا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ . وقال ابنُ أدهمَ: كُونُوا على حَياءٍ مِنَ اللهِ، فَوَاللهِ لقد سَتَرَ وأَمْهَلَ، وجَادَ فَأَحْسَنَ، حَتَّى كأَنَّه قَدْ غَفَرَ ، كَرَمًا منه لِخَلْقِهِ . وقال: لا تَزَالُ كَرِيمًا علَى النَّاسِ مالَمْ تَعاطَ ما في أَيدِيهِم ، فإذا فَعَلْتَ ذلكَ اسْتَخَفُّوا بِكَ وكَرِهُوا حَدِيثَكَ وأَبْغَضُوكَ . قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ لِجُلَسَائِهِ: أَخْبِرُونِي بِأَحْمَقِ الناسِ، قالوا: مَن باعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، فقال عُمَرُ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَحْمَقَ منه ؟ قالوا: بَلَى، قال: مَن باعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ ! قال عُمَرُ بْنُ عبدِ الْعَزِيزِ لأَبِي حازِمٍ: عِظْنِي يا أبا حازِمٍ ، قال: اِضْطَجِعْ ثُمَّ اجْعَلِ الْمَوْتَ عندَ رَأْسِكَ، ثم انْظُرْ ما تُحِبُّ أنْ تَكُونَ فيه تلكَ السَّاعَةَ فَخُذْ فيه الآنَ، وما تَكْرَهُ أنْ تَكُونَ فيه تلكَ السَّاعةَ فَاتْرُكْهُ الآنَ . قالَ أَيُّوبُ: إذا لَمْ يَكُنْ ما تُرِيدُفَأَرِدْ ما يَكُونُ. قال عبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: الْعِلْمُ كَثِيرٌ وَالْعُلَماءُ قَلِيلٌ . قال إسحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ لِلْفُضَيْلِ: لَوْ حَدَّثْتَنِي بأحاديثَ فَوائِدَ ليستْ عِنْدِي ؟ فقال له الْفُضَيْلُ: إنَّك مَفْتُونٌ، أَمَا واللهِ لو عَمِلْتَ بما سَمِعْتَ ! سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ مِهْرَانَ يقول: إذا كانَ بينَ يَدَيْكَ طَعامٌ تَأْكُلُهُ، فَتَأْخُذُ اللُّقْمَةَفَتَرْمِي بِهَا خَلْفَ ظَهْرِكَ، كُلَّمَا أَخَذْتَ لُقْمَةً رَمَيْتَ بها خَلْفَ ظَهْرِكَ، مَتَى تَشْبَعُ ؟! قال حَاتِمٌ الأَصَمُّ: لي أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وتِسْعَةٌ مِنَ الأَوْلاَدِ، ما طَمِعَ الشَّيْطَانُ أنْ يُوَسْوِسَ إليَّ في شَيْءٍ مِن أَرْزَاقِهم . قال عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ : لا خَيْرَ في عِبَادَةٍ لا عِلْمَ فيها، ولا خَيْرَ في عِلْمٍ لا فَهْمَ فيه، ولا خَيْرَ في قراءةٍ لا تَدَبُّرَ فيها . وقال بِلاَلُ بْنُ سَعْدٍ : لا تَنْظُرْ إلى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ ولَكِنِ انْظُرْ إلى مَن عَصَيْتَ . قال ضِرَارٌ : يقول إِبْلِيسُ: إِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِن ابْنِ آدَمَ ثَلاثًا أَصَبْتُ منه حَاجَتِي: إذا نَسِيَ ذُنُوبَهُ، وإذا اسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ ، وإذا أُعْجِبَ بِرَأْيِه . قال بَكْرٌ الْمُزَنِيُّ: إِنْ عَرَضَ لكَ إِبْلِيسُ بأنَّ لكَ فَضْلاً علَى أَحَدٍ مِن أَهْلِ الإسلامِ فَانْظُرْ، فإنْ كانَ أَكْبَرَ منكَ فَقُلْ قد سَبَقَنِي هذا بالإيمانِ والعملِ الصَّالِحِ فهو خَيْرٌ مِنِّي، وإنْ كانَ أَصْغَرَ منكَ فَقُلْ قد سَبَقْتُ هذا بِالْمَعاصِي وَالذُّنُوبِ وَاسْتَوْجَبْتُ الْعُقُوبَةَ فهو خيرٌ مِنِّي ؛ فإنَّكَ لا تَرَى أحدًا مِن أَهْلِ الإسلامِ إِلاَّ أَكْبَرَ منكَ أو أَصْغَرَ منكَ . قال: وإنْ رَأَيْتَ إِخْوَانَكَ المسلمينَ مَنْ يُكْرِمُونَك ويُعَظِّمُونَك ويَصِلُونَك فقل أنتَ: هذا فَضْلٌ أَخَذُوا به ، وإنْ رَأَيْتَ منهم جَفاءً وَانْقِبَاضًا فقلْ هذا ذَنْبٌ أَحْدَثْتُهُ . قال سفيانُ الثوريُّ : إذا تَرَأَّسَ الرجلُ سَرِيعًا أَضَرَّ بِكَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ ، وإذا طَلَبَ وطَلَبَ بَلَغَ. قال أبو الدرداء: إنَّ أَخْوَفَ ما أخافُ إذا وَقَفْتُ علَى الْحِسَابِ أنْ يُقَالَ لي: قد عَلِمْتَ، فما عَمِلْتَ فيما عَلِمْتَ ؟ قال رجلٌ لِبِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ: عِظْنِي، قال: عَسْكَرُ الْمَوْتَى يَنْتَظِرُونَكَ!