عن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ قال: هذا الَّذِي تَرَوْنَ كُلُّهُ أو عَامَّتُهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وما بِتُّ مُنْذُ ثلاثينَ سنةً إِلاَّ وأنا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ . 
عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أنَّه قال: ما فَاتَتْنِي الصَّلاةُ في الجماعةِ مُنْذُ أربعينَ سنةً،وما أذَّنَ الْمُؤَذِّنُ مُنْذُ ثلاثينَ سنةً إِلاَّ وأنا في الْمَسْجِدِ . قالَ إبراهيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ: إنَّ الدُّنيا لا تَسُرُّ بِقَدْرِ ما تَضُرُّ ، إنَّها تَسُرُّ قليلا وتُحْزِنُ حُزْنًا طَوِيلاً . قال الْمُقَرَّبُونَ مِنَ الأَعْمَشِ: ظَلَّ الأَعْمَشُ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ تَفُتْهُ التَّكْبِيرَةُ الأُولَى ولا الصَّفُّ الأَوَّلُ، وكانَ يَلْتَمِسُ الْحَائِطَ حَتَّى يَقُومَ في الصَّفِّ الأَوَّلِ . وكان وَكِيعٌ يَذْهَبُ إليه قَرِيبًا مِنْ سِتِّينَ سَنَةً فَما رآهُ يَقْضِي رَكْعَةً . عن وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ كان يَبْتَدِئُ قَبْلَ أنْ يُحَدِّثَ فَيَقُولُ : ما هناكَ إِلاَّ عَفْوُهُ ، ولا نَعِيشُ إِلاَّ في سِتْرِهِ ، ولو كُشِفَ الْغِطَاءُ انْكَشَفَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ . مَرَّ أبو حازِمٍ بِأَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ وهو مُكْتَئِبٌ حَزِينٌ، فقال: مالي أَراكَ مُكْتَئِبًا حَزِينًا، وإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ ! قال: أَخْبِرْنِي ما وَرَاءَكَ ، قال: ذَكَرْتَ وَلَدَكَ مِنْ بَعْدِكَ، قال: نَعَمْ ، قال: فَلا تَفْعَلْ ، فَإِنْ كانوا للهِ أَوْلِيَاءَ فَلا تَخَفْ عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ ، وإِنْ كانوا للهِ أَعْدَاءً فَلا تُبَالِ ما لَقُوا بَعْدَكَ . قال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : بابٌ واحدٌ أَتَعَلَّمُه مِنَ الْعِلْمِ أَحَبُّ إليَّ مِنَ الدنيا وما فيها . قال ذُو النُّونِ: ما طابَتِ الدُّنيا إِلاَّ بِذِكْرِهِ، ولا طابَتِ الآخرةُ إِلاَّ بِعَفْوِهِ، ولا طابتِ الْجِنَانُ إلاَّ بِرُؤْيَتِه . قال ابنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: كُنَّا نأتي العالِمَ، فَما نتعلمُ منْ أَدَبهِ أَحَبُّ إلينا مِن علمه . قال أبو حَبِيبٍ الْبَدَوِيُّ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مَنْعُ اللهِ عَطاءٌ، وذلك أَنَّه لا يَمْنَعُ مِن بُخْلٍ ولا عُدْمٍ ، إِنَّما مَنْعُهُ نَظَرٌ وَاخْتِبَارٌ . وقال سفيان الثوري : الزُّهْدُ في الدنيا قِصَرُ الأَمَلِ، ليس بِأَكْلِ الْغَلِيظِ ولا لُبْسُ الْخَشِنِ . قال يَحْيَى بْنُ أبي كَثِيرٍ : لا يَأْتِي الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجَسَدِ قال الشافعي: طَلَبُ العلمِ أَفْضَلُ مِن صَلاةِ النَّافلةِ . وقال سفيان بْنُعُيَيْنَةَ: الْعِلْمُ إِنْ لَمْ يَنْفَعْكَ ضَرَّكَ ! قال أبو إسحاقَ الفزاريُّ: إنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يُحِبُّ الثَّناءَ عليه وما يُسَاوِي عندَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ . كان عمرُ يقولُ: أَحْسِنْ بِصَاحِبِكَ الظَّنَّ حتى يَغْلِبَكَ، وإذا سَمِعْتَ كَلِمَةً مِن امْرِئٍ مُسْلِمٍٍ فلا تَحْمِلْهَا علَى شَيْءٍ مِنَ الشَّرِّ ما وَجَدْتَ لها مَحْمَلاً مِنَ الْخَيْرِ . قال الْخَلِيفَةُ سليمانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لأبي حازمٍ : اِرْفَعْ إليَّ حاجَتَكَ، قال: أَيْهَاتَ، أَيْهَاتَ، قد رَفَعْتُهَا إلى مَنْ لا تُخْتَزَنُ الْحَوَائِجُ دُونَهُ، فَما أَعْطَانِي منها قَنَعْتُ، وما زَوَى عَنِّي رَضِيتُ . قال محمدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ لأحمدَ بْنِ حَنْبَلَ : يا أبا عَبْدِ اللهِ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فإذا صَحَّ عندَكُمُ الْحَدِيثُ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فَأَخْبِرُونَا به حَتَّى نَرْجِعَ إليه . إذا لم يكن ما تريد ، فَأَرِدْ ما يكون كان أبو بكرٍ الْكِتَّانِيُّ يقولُ: إذا سألتَ اللهَ التَّوْفِيقَ فَابْتَدِئْ بِالْعَمَلِ . قال حيلان بن فروة : إذا فُتِحَ لِأَحَدِكم بابُ خَيْرٍ فَلْيُسْرِعْ إليه فإِنَّهُ لا يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ عنه . قال بَكْرٌ الْمُزَنِيُّ: إِنْ عَرَضَ لكَ إِبْلِيسُ بأنَّ لكَ فَضْلاً علَى أَحَدٍ مِن أَهْلِ الإسلامِ فَانْظُرْ، فإنْ كانَ أَكْبَرَ منكَ فَقُلْ قد سَبَقَنِي هذا بالإيمانِ والعملِ الصَّالِحِ فهو خَيْرٌ مِنِّي، وإنْ كانَ أَصْغَرَ منكَ فَقُلْ قد سَبَقْتُ هذا بِالْمَعاصِي وَالذُّنُوبِ وَاسْتَوْجَبْتُ الْعُقُوبَةَ فهو خيرٌ مِنِّي ؛ فإنَّكَ لا تَرَى أحدًا مِن أَهْلِ الإسلامِ إِلاَّ أَكْبَرَ منكَ أو أَصْغَرَ منكَ . قال: وإنْ رَأَيْتَ إِخْوَانَكَ المسلمينَ مَنْ يُكْرِمُونَك ويُعَظِّمُونَك ويَصِلُونَك فقل أنتَ: هذا فَضْلٌ أَخَذُوا به ، وإنْ رَأَيْتَ منهم جَفاءً وَانْقِبَاضًا فقلْ هذا ذَنْبٌ أَحْدَثْتُهُ . وقال ذو النون : مَن تَزَيَّنَ بِعَمَلِهِ كانتْ حَسناتُه سَيِّئَاتٍ . قال عبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: الْعِلْمُ كَثِيرٌ وَالْعُلَماءُ قَلِيلٌ . كَتَبَ الحسنُ الْبَصْرِيُّ إلى أميرِ المؤمنينَ عُمَرَ بْنِ عبدِ العزيزِ: أَمَّا بَعْدُ، فإنَّ الدنيا دارُ ظَعْنٍ ليستْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، وإِنَّما أُنْزِلَ إليها آدمُ عُقُوبَةً ، فَاحْذَرْهَا يا أَمِيرَ المؤمنينَ، فإنَّ الزَّادَ منها تَرْكُها، وَالْغِنَى فيها فَقْرُهَا، لَها في كلِّ حِينٍ قَتِيلٌ، تُذِلُّ مَن أَعَزَّهَا، وتُفْقِرُ مَن جَمَعها، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُه مَن لا يَعْرِفُهُ وهُوَ حَتْفُهُ، فَكُنْ فيها كَالْمُدَاوِي لِجِرَاحَتِهِ، يَحْتَمِي قَلِيلاً مَخافَةَ ما يَكْرَهُ طَوِيلاً، ويَصْبِرُ على شِدَّةِ الأَذَى مَخافَةَ طُولِ الْبَلاءِ، وَاحْذَرْ هذه الدَّارَ الْغَرَّارَةَ التي قد زَيَّنَتْ بِخُدَعِهَا، وتَحَلَّتْ بِآمَالِهَا، وتَشَوَّفَتْ لِخُطَّابِهَا، وفَتَنَتْ بِغُرُورِهَا، فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمُحَلاَّةِ، الْعُيُونُ إليها ناظِرَةٌ، وَالْقُلُوبُ إليها وَالِهَةٌ، وَالنُّفُوسُ لها عاشِقَةٌ، وهِيَ لِأَزْوَاجِها كُلِّهم قاتِلَةٌ ! فَلا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ، ولا الآخِرُ علَى الأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ، ولا الْعَارِفُ بِاللهِ حِينَ أَخْبَرَهُ عنها مُدَّكِرٌ. وقال وكيع: مَنْ تَهَاوَنَ بِالتَّكْبِيرَةِ الأُولَى فَاغْسِلْ يَدَيْكَ منه ! قال حاتمٌ الأَصَمُّ: مَثَلُ الدُّنيا كَمَثَلِ ظِلِّكَ ، إِنْ طَلَبْتَهُ تَبَاعَدَ وإنْ تَرَكْتَهُ تَتَابَعَ . قال بنانُ الْبَغْدَادِيُّ: الْحُرُّ عَبْدٌ ما طَمِعَ ، وَالْعَبْدُ حُرٌّ ما قَنَعَ . قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: لَمْ يُدْرِكْ عِندَنا مَن أَدْرَكَ بِكَثْرَةِ صِيَامٍ ولا صَلاةٍ ، وإِنَّما أَدْرَكَ عِنْدَنا مَنْ أَدْرَكَ بِسَخَاءِ الأَنْفُسِ وسَلامَةِ الصُّدُورِ وَالنُّصْحِ لِلأُمَّةِ. قال جَعْفَرٌ بن محمد : قال مُوسَى : يا رَبِّ أَسْأَلُكَ أَلاَّ يَذْكُرَنِي أَحَدٌ إِلاَّ بِخَيْرٍ ، قال : ما فَعَلْتُ ذلك لِنَفْسِي ! قال إبراهيمُ بْنُ أحمدَ الْخَوَّاصُ : مَنْ لَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَظْفَرْ ، وإِنَّ لإِبْلِيسَ وَثاقَيْنِ ما أَوْثَقَ بَنِي آدَمَ بِأَوْثَقَ منهما : خَوْفَ الْفَقْرِ، والطَّمْعَ . قال أبو الدرداءِ: كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ للهِ تَعالَى في عِرْقٍ ساكِنٍ . سَأَلَ رَجُلٌ أبا سُلَيْمَانَ عن أَقْرَبِ ما يَتَقَرَّبُ به الْعَبْدُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ، فَبَكَى أبو سُلَيْمَانَ وقال: أَفْضَلُ ما يَتَقَرَّبُ به الْعَبْدُ إلى اللهِ أَنْ يَطَّلِعَ علَى قَلْبِكَ وأَنْتَ لا تُرِيدُ مِنَ الدُّنيا والآخِرَةِ غَيْرَهُ . عنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍرَضِيَ اللهُ عنه قال: ما مِن عَبْدٍ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَزَّ وجَلَّ إِلاَّ أَبْدَلَهُ اللهُ به ما هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ، وما تَهَاوَنَ به عَبْدٌ فَأَخَذَهُ مِن حيثُ لا يَصْلُحُ إِلاَّ آتاهُ اللهُ ما هو أَشَدُّ عليهِ مِنْهُ مِن حيثُ لا يَحْتَسِبُ . سَارَ إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ مع بَعْضِ إخوانِه يُرِيدُونَ الإسكندريةَ، فَنَزَلُوا على نَهْرِ الأُرْدُنّ يَسْتَرِيحُونَ، فَقَرَّبَ واحدٌ منهم كُسَيْرَاتٍ يابِسَاتٍ ، فأَكَلُوهَا وحَمِدُوا اللهَ تَعالَى، وقامَ أَحَدُهم لِيَسْقِيَ إبراهيمَ فَسَارَعَهُ إبراهيمُ فَدَخَلَ النَّهْرَ حَتَّى بَلَغَ الماءُ رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ شَرِبَ وقال: الْحَمْدُ للهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَمَدَّ رِجْلَيْهِ وقال: لَوْ عَلِمَ الْمُلُوكُ وأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ ما نَحْنُ فيه مِنَ السُّرُورِ وَالنَّعِيمِ إذًا لَجَالَدُونَا بِأَسْيَافِهِم علَى ما نحن فيه مِنْ لَذَّةِ الْعَيْشِ وقِلَّةِ التَّعَبِ . قال الفضيلُ بنُ عِياضٍ لابْنِه: يا عَلِيُّ، لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّكَ تُسَاوِي شيئًا، الذُّبَابُ أَطْوَعُ للهِ مِنْكَ ! عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه قال: لَمَّا ضُرِبَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ فَوَضَعَهُ علَى عَيْنَيْهِ وقال: أَنْتَ ثَمَرَةُ قَلْبِي وقُرَّةُ عَيْنِي ، بِكَ أُطْغِي وبِكَ أُكَفِّرُ وبِكَ أُدْخِلُ النَّارَ ، رَضِيتُ مِن ابْنِ آدَمَ بِحُبِّ الدُّنيا أَنْ يَعْبُدَكَ ! قال بِلالُ بْنُ سَعْدٍ : الذِّكْرُ ذِكْرَانِ : ذِكْرٌ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ جَمِيلٌ ، وذِكْرُ اللهِ عِنْدَ ما أَحَلَّ وحَرَّمَ أَفْضَلُ . قال أبو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: إنَّه لَيْسَ بينَ الْجَنَّةِ والنَّارِ طُرُقٌ ولا فَيَافِي ، ولا مَنْزِلٌ هُنَالِكَ لِأَحَدٍ؛ مَنْ أَخْطَأَتْهُ الْجَنَّةُ صارَ إلى النَّارِ . قال الشافعيُّ : ما ناظَرْتُ أحدًا قَطُّ إِلاَّ أَحْبَبْتُ أنْ يُوَفَّقَ ويُسَدَّدَ ويُعَانَ ويكونَ عليه رِعَايَةٌ مِنَ اللهِ وحِفْظٌ ، وما ناظرتُ أحدًا إِلاَّ ولَمْ أُبَالِ بَيَّنَ اللهُ الْحَقَّ على لِسَانِي أو لِسَانِه . كانَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لا يُمَاكِسُ في كُلِّ شَيْءٍ يَتَقَرَّبُ به إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ،فكان لا يُمَاكِسُ في ثَلاثٍ: في الأُجْرَةِ إلى مَكَّةَ، وفي الرَّقَبَةِ يَشْتَرِيها لِلْعِتْقِ ، وفي الأُضْحِيَّةِ . قال رِيَاحٌ: كَما لا تَنْظُرُ الأَبْصَارُ إلى شُعَاعِ الشَّمْسِ، كذلك لا تَنْظُرُ قُلُوبُ مُحِبِّي الدُّنيا إلى نُورِ الْحِكْمَةِ أَبدًا . قال الْجُنَيْدُ : أَعْلَى دَرَجَةِ الْكِبْرِ وشَرِّهَا أنْ تَرَى نَفْسَكَ فَوْقَ غَيْرِهَا، وأَدْنَاهَا في الشَّرِّ أنْ تَخْطُرَ بِبَالِكَ! وقالَ: لَيْسَ سَاعَةٌ مِن ساعاتِ الدُّنيا إِلاَّ وَهِيَ مَعْرُوضَةٌ علَى الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمًا فَيَوْمًا وسَاعةً فَساعةً، ولا تَمُرُّ به ساعةٌ لَمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعالَى فيها إِلاَّ تَقَطَّعَتْ نَفْسُه عليها حَسَرَاتٍ، فَكَيْفَ إذا مَرَّتْ به ساعةٌ معَ ساعةٍ ويومٌ معَ يومٍ ولَيْلَةٌ مَعَ لَيْلَةٍ ؟! قال أبو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ : إنَّ أَحَدَهُمْ لو سَقَطَ منه دِرْهَمٌ لَظَلَّ يَوْمَهُ يقول: إِنَّا للهِ ، ذَهَبَ دِرْهَمِي، ولا يَقُولُ ذَهَبَ يَوْمِي ما عَمِلْتُ فيه . قِيلَ لِسُفْيَانَ : ما تَرَى فِيمَنْ كَسَبَ ثَلاثينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِن غَيْرِ حَقِّهَا وقال: أَقْعُدُ أُسَبِّحُ وأَحْمَدُ وأُكَبِّرُ حتَّى أَعْمَلَ مِنَ الْحَسناتِ بِعَدَدِ هذه ؟ فقال سفيانُ: فَلْيَرُدَّها قَبْلُ ؛ فإِنَّهُ لا يُقْبَلُ له ذِكْرٌ إِلاَّ بِرَدِّهَا . رَوَى عبدُ الرحمنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قال: كانَ أبي يقولُ: أَيْ بُنَيَّ، وكيفَ تُعْجِبُكَ نَفْسُكَ وأنتَ لا تَشاءُ أنْ تَرَى مِن عِبَادِ اللهِ مَن هوَ خَيْرٌ مِنْكَ إِلاَّ رَأَيْتَهُ ؟ يا بُنَيَّ لا تَرَى أَنَّكَ خَيْرٌ مِن أَحَدٍ يَقُولُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ حتَّى تَدْخُلَ الْجنةَ ويَدْخُلَ النارَ ، فإذا دخلتَ الجنةَ ودخلَ النارَ تَبَيَّنَ لكَ أَنَّكَ خيرٌ منه . وقال سلمة بن دينار : اِعْلَمْ أَنَّكَ إذا مِتَّ لَمْ تُرْفَعِ الأَسْوَاقُ بِمَوْتِكَ ، إِنَّ شَأْنَكَ صَغِيرٌ فَاعْرِفْ نَفْسَكَ . قال الْجُنَيْدُ : الطُّرُقُ كُلُّهَا مَسْدُودَةٌ علَى الْخَلْقِ إِلاَّ مَنِ اقْتَفَى أَثَرَ الرَّسُولِ وَاتَّبَعَ سُنَّتَهُ ولَزِمَ طَرِيقَتَهُ، فإنَّ طُرُقَ الْخَيْرَاتِ كُلَّها مفتوحةٌ عليه . قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: لَيْسَتِ الدَّارُ دَارَ إِقَامَةٍ، وإِنَّما أُهْبِطَ آدَمُ إليها عُقُوبَةً، أَلاَ تَرَى كيفَ يَزْوِيهَا عنه ، يُمَرِّرُ عليه بِالْجُوعِ مَرَّةً وبِالْعُرْيِ مَرَّةً وبِالْحَاجَةِ مَرَّةً ؟ كَما تَصْنَعُ الْوَالِدَةُ الشَّفِيقَةُ بِوَلَدِهَا، تَسْقِيهِ مَرَّةً حَضِيضًا ومَرَّةً صَبِرًا ، وإِنَّما تُرِيدُ بذلكَ ما هو خَيْرٌ له . وكَتَبَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى عمرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ يُعَزِّيهِ علَى ابْنِهِ؛ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّا قَوْمٌ مِن أَهْلِ الآخِرَةِ أُسْكِنَّا الدُّنيا، أَمْوَاتٌ أَبْنَاءُ أَمْوَاتٍ، وَالْعَجَبُ لِمَيِّتٍ يَكْتُبُ إلى مَيِّتٍ يُعَزِّيهِ عَنْ مَيِّتٍ. وَالسَّلامُ ! كان طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ إذا ذُكِرَ عندَه الاختلافُ قال: لا تَقُولُوا الاخْتِلاَفَ، ولكنْ قُولُوا : السَّعَة . عنْ أبي عَوَانَةَ قال: لو قِيلَ لِمَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ: إِنَّكَ مَيِّتٌ اليومَ أو غَدًا ، ما كان عندَه مِن مَزِيدٍ . تَسَفَّهَ رجلٌ على حَمْدُونَ، فَسَكَتَ حَمْدُونُ وقالَ : يا أَخِي لَوْ نَقَصْتَنِي كُلَّ نَقْصٍ لَمْ تُنْقِصْنِي كَنَقْْصِي عِنْدِي ، ثُمَّ قالَ : تَسَفَّهَ رجلٌ على إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ فَاحْتَمَلَهُ وقال: لِأَيِّ شيءٍ تَعَلَّمْنَا الْعِلْمَ ؟! عن سعيدِبنِ الْمُسَيَّبِ قال: مَنِ اسْتَغْنَى بِاللهِ افْتَقَرَ الناسُ إليه . قال أبو الدرداء: حَذَرُ امْرِئٍ أَنْ تُبْغِضَهُ قُلُوبُ المؤمنينَ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُ ، وذلك أنَّ الْعَبْدَ يَخْلُو بِمَعاصِي اللهِ عزَّ وجلَّ فَيُلْقِي اللهُ بُغْضَهُ في قُلُوبِ المؤمنينَ مِن حيثُ لا يَشْعُرُ . قال سفيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَوْحَى اللهُ تعالى إلى مُوسَى عليهِ السَّلامُ : إنَّ أَوَّلَ مَن ماتَ إِبْلِيسُ، وذلك أَنَّهُ أَوَّلُ مَن عَصانِي، وأَنا أَعُدُّ مَن عَصانِي مِنَ الْمَوْتَى ! قال رجلٌ لِدَاوُدَ الطائِيِّ: يا أبا سليمانَ، لقد رَضِيتَ مِنَ الدنيا بِالْيَسِيرِ، قال: أَفَلاَ أَدُلُّكَ على مَن رَضِيَ بِأَقَلَّ منها ؟ مَنْ رَضِيَ بِالدُّنيا كُلِّهَا عِوَضًا عَنِ الآخِرَةِ ! قالَ أحمدُ بْنُ عاصِمٍ الأَنْطَاكِيُّ: هذه غَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ : أَصْلِحْ فِيمَا بَقِيَ يُغْفَرْ لك فِيمَا مَضَى . وقال بِلالٌ بن سعد : إذا رأيتَ الرجلَ لَجُوجًا مُمَارِيًا مُعْجَبًا بِرَأْيِه فقدْ تَمَّتْ خَسَارَتُه. قال بِشْرٌ الْحَافِي: لا يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ إِلاَّ مَنْ يَصْبِرُ علَى الأَذَى . قال الشافعي: السَّخَاءُ وَالْكَرَمُ يُغَطِّيَانِ عُيُوبَ الدُّنيا والآخِرَةِ، بَعْدَ أَلاَّ يَلْحَقَهُمَا بِدْعَةٌ . قال رجلٌ لِبِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ: عِظْنِي، قال: عَسْكَرُ الْمَوْتَى يَنْتَظِرُونَكَ! قال أحمدُ بنُ أبي الْحَوَارِيِّ: إذا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بِتَرْكِ الدُّنيا عندَ إِدْبَارِهَا فهو خُدْعَةٌ، وإذا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بِتَرْكِهَا عندَ إِقْبَالِهَا فَذَاكَ . وقال بِلاَلُ بْنُ سَعْدٍ : لا تَنْظُرْ إلى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ ولَكِنِ انْظُرْ إلى مَن عَصَيْتَ . قال سفيانُ الثوريُّ: رِضَا الناسِ غايَةٌ لا تُدْرَكُ، وطَلَبُ الدُّنيا غايةٌ لا تُدْرَكُ . كانَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ إذا أَمْسَى يَقُولُ: هَذِهِ لَيْلَةُ الرُّكُوعِ فَيَرْكَعُ حَتَّى يُصْبِحَ ، وكان يقولُ إذا أَمْسَى: هذه لَيْلَةُ السُّجُودِ فَيَسْجُدُ حَتَّى يُصْبِحَ . وكان إذا أَمْسَى تَصَدَّقَ بِمَا في بَيْتِهِ مِنَ الْفَضْلِ مِنَ الطَّعامِ وَالثِّيَابِ ثم يقولُ : اللَّهُمَّ مَن ماتَ جُوعًا فَلا تُؤَاخِذْنِي به ، ومَن ماتَ عُرْيَانًا فَلا تُؤَاخِذْنِي به ! قال أبو حازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ: كُلُّ نِعْمَةٍ لا تُقَرِّبُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ فَهِيَ بَلِيَّةٌ. كان عمرُبن عبد العزيز يَخْطُبُ الناسَ فَيقُولُ: أَيُّهَا الناسُ، مَنْ أَلَمَّ بِذَنْبٍ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللهَ وَلْيَتُبْ، فإنْ عادَ فَلْيَسْتَغْفِرْ وَلْيَتُبْ، فإنْ عادَ فَلْيَسْتَغْفِرْ ولْيَتُبْ، فَإِنَّما هي خَطايَا مُطَوَّقَةٌ في أَعْنَاقِ الرِّجَالِ، وإنَّ الْهَلاكَ كُلَّ الْهَلاكِ الإِصْرَارُ عليها . قال الْجُنَيْدُ بْنُ محمدٍ لِرَجُلٍ : لا تَيْأَسْ مِن نَفْسِكَ وأنتَ تُشْفِقُ مِن ذَنْبِكَ وتَنْدَمُ عليه بعدَ فِعْلِكَ . ذُكِرَ رَجُلٌ عندَ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ فقال: ما أنا عَن نَفْسِي بِرَاضٍ فَأَتَفَرَّغَ منها إلى آدَمِيٍّ غَيْرِهَا، إنَّ العبادَ خافُوا اللهَ على ذُنُوبِ غَيْرِهم وَأَمِنُوهُ على ذُنُوبِ أَنْفُسِهم ! قال عُمَرُ بْنُ عبدِ الْعَزِيزِ لأَبِي حازِمٍ: عِظْنِي يا أبا حازِمٍ ، قال: اِضْطَجِعْ ثُمَّ اجْعَلِ الْمَوْتَ عندَ رَأْسِكَ، ثم انْظُرْ ما تُحِبُّ أنْ تَكُونَ فيه تلكَ السَّاعَةَ فَخُذْ فيه الآنَ، وما تَكْرَهُ أنْ تَكُونَ فيه تلكَ السَّاعةَ فَاتْرُكْهُ الآنَ . قالَ الأوزاعيُّ: مَن أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ كَفاهُ الْيَسِيرُ، ومَن عَلِمَ أنَّ مَنْطِقَهُ مِن عَمَلِهِ قَلّ كَلامُهُ . كان محمدُ بنُ يُوسُفَ لا يَشْتَرِي مِن خَبَّازٍ واحِدٍ ولا مِن بَقَّالٍ واحِدٍ، يقولُ: لَعَلَّهم يَعْرِفُونِي فَيُحَابُونِي، فَأَكُونَ مِمَّنْ أَعِيشُ بِدِينِي ! وقال: الْفَاجِرُ الرَّاجِي لِرَحْمَةِ اللهِ أَقْرَبُ إلى اللهِ مِنَ الْعَابِدِ الذي يَرَى أَنَّهُ لا يَنالُ ما عِنْدَ اللهِ إِلاَّ بِعَمَلِهِ . عن حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قال: قال لنا أَيُّوبُ: إِنَّكَ لا تُبْصِرُ خَطَأَ مُعَلِّمِكَ حتَّى تُجَالِسَ غَيْرَه، جالِسِ النَّاسَ . قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: إِنَّما جُعِلَتِ الْعِلَلُ لِيُؤَدَّبَ بها الْعِبَادُ، ليس كُلُّ مَن مَرِضَ ماتَ ! عن بكرِ بْنِ عبدِاللهِ قال: إنَّ اللهَ لَيُجْرِعُ عَبْدَهُ المؤمنَ مِنَ الْمَرَارَةِ لِمَا يُرِيدُ به مِن صَلاحِ عاقِبَةِ أَمْرِهِ . قال بكرٌ : أَمَا رَأَيْتُمُ الْمَرْأَةَ تَسْقِي وَلَدَها الصَّبْرَ تُرِيدُ به عافِيَتَهُ ؟ قال عبدُ الرحمنِ بْنُ مَهْدِيِّ لِبِشْرٍ: إِنَّا لَنَجْلِسُ مَجْلِسَ خَيْرٍ وبَرَكَةٍ، فقال: نِعْمَ الْمَجْلِسُ ، فقال عبدُ الرحمنِ: إنَّه رُبَّمَا لَمْ يُجْلَسْ إليَّ فَكُنْتُ أَغْتَمُّ، فقالَ: إنْ كُنْتَ تَشْتَهِي أنْ يُجْلَسَ إليكَ اتْرُكْ هذا الْمَجْلِسَ . عنْ جابِرٍ قالَ: قال لي محمدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ : يا جابِرُ بَلَغَنِي أنَّ قَوْمًا بِالْعِرَاقِ يَزْعُمُونَ أَنَّهم يُحِبُّونَنَا وَيَنَالُونَ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، ويَزْعُمُونَ أَنِّي أَمَرْتُهُمْ بِذَلِكَ، فَأَبْلِغْهُمْ أَنِّي إلى اللهِ مِنْهُمْ بَرِيءٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ وُلِّيتُ لَتَقَرَّبْتُ إلى اللهِ تَعالَى بِدِمَائِهِم ، لا نَالَتْنِي شَفاعَةُ محمدٍإِنْ لَمْ أَكُنْ أَسْتَغْفِرُ لهما وأَتَرَحَّمُ عَليهِمَا ، إنَّ أَعْدَاءَ اللهِ لَغَافِلُونَ عنهما ، ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ فَضْلَ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ الله عنهما فَقَدْ جَهِلَ السُّنَّةَ . قال جَعْفَرٌ الْخَلدِيُّ : الْفَرْقُ بينَ الرِّيَاءِ وَالإِخْلاَصِ أنَّ الْمُرَائِيَ يَعْمَلُ لِيُرَى وَالْمُخْلِصَ يعملُ لِيَصِلَ . وقال: رأيتُ الدُّنيا في النَّوْمِ عَجُوزًا حَدْبَاءَ مُشَوَّهَةً تُصَفِّقُ بِيَدَيْهَا، وخَلْفَها خَلْقٌ يَتْبَعُونَها يُصَفِّقُونَ ويَرْقُصُونَ، فَلَمَّا كانتْ بِحِذَائِي أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فقالتْ: لَوْ ظَفَرْتُ بكَ صَنَعْتُ بكَ ما صَنَعْتُ بِهؤلاءِ . قال الشافعي: كُلُّ ما قُلْتُ وكان عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ خِلاَفُ قَوْلِي مِمَّا يَصِحُّ، فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أَوْلَى ولاَ تُقَلِّدُونِي وقال: رَحِمَ اللهُ رَجُلاً لَمْ يَغُرّهُ كَثْرَةُ ما يَرى مِن كَثْرَةِ الناسِ، ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ تَموتُ وَحْدَكَ، وتَدْخُلُ الْقَبْرَ وحدَك،وتُبعثُ وحدَك، وتُحاسَبُ وحدَك، ابْنَ آدَمَ، وأنتَ الْمَعْنِيُّ وإِيَّاكَ يُرَادُ. وقال شقيق البلخي : مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلَةً وهو يخافُ أنْ يَحْمِلَ شَوْكًا، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ رَجُلٍ زَرَعَ شَوْكًا وهو يَطْمَعُ أنْ يَحْصُدَ تَمْرًا، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! كُلُّ مَنْ عَمِلَ حَسَنًا فإنَّ اللهَ لا يَجْزِيهِ إِلاَّ حَسَنًا، ولا تَنْزِلُ الأَبْرَارُ مَنازِلَ الْفُجَّارِ . سُئِلَ ذُو النُّونِ: ما لنا لا نَقْوَى علَى النَّوافِلِ ؟ قال: لأَنَّكُم لا تُصِحُّونَ الْفَرائِضَ . قال أبو حازمٍ : ابْنَ آدَمَ ، بَعْدَ الْمَوْتِ يَأْتِيكَ الْخَبَرُ . قال ذَرٌّ لأبيهِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ: ما بالُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَتكلَّمونَ فلا يَبْكِي أَحَدٌ، فإذا تَكلمتَ يا أَبَتِ سَمِعْتُ الْبُكاَء َمِن هاهنا وهاهنا ؟ فقال: يا بُنَيَّ، لَيْسَتِ النَّائِحَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ كَالنَّائِحَةِ الثَّكْلَى . عن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قال: يُقَالُ مَنِ اتَّقَى اللهَ أَحَبَّهُ الناسُ وإِنْ كَرِهُوا . قال رجلٌ لِلْحَسَنِ : يا أبا سَعِيدٍ: الرَّجُلُ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ، ثمَّ يُذْنِبُ ثم يَتُوبُ، حَتَّى مَتى؟ قال: ما أَعْلَمُ هذا إِلاَّ أَخْلاَقَ الْمُؤْمِنِينَ . قال أبو بكرِ بْنُ عَيَّاشٍ: قال لي رجلٌ مَرَّةً وأنا شَابٌّ : خَلِّصْ رَقَبَتَكَ ما استطعتَ في الدُّنيا مِنْ رِقِّ الآخرةِ، فإنَّ أَسِيرَ الآخرةِ غَيْرُ مَفْكُوكٍ أَبَدًا. قال أبو بكرٍ: فَما نَسِيتُهَا أَبَدًا . قال عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ : لا خَيْرَ في عِبَادَةٍ لا عِلْمَ فيها، ولا خَيْرَ في عِلْمٍ لا فَهْمَ فيه، ولا خَيْرَ في قراءةٍ لا تَدَبُّرَ فيها . سُئِلَ الْجُنَيْدُ بْنُ محمدٍ عنْ حَقِيقةِ الشُّكْرِ فقال : أَلاَّ يُسْتَعانَ بِشَيْءٍ مِن نِعَمِهِ علَى مَعاصِيه . رُئِيَ إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ في يَوْمٍ صائِفٍ وعليهِ جُبَّةُ فَرْوٍٍ مَقْلُوبَةٌ، في أَصْلِ سَيْلٍ ، مُسْتَلْقِيًا رَافِعًا رِجْلَيْهِ يقولُ: طَلَبَ الْمُلُوكُ الرَّاحَةَ فَأَخْطَئُوا الطَّرِيقَ . قال جعفرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : إذا بَلَغَكَ عن أَخِيكَ شَيْءٌيَسُوءُكَ فَلاَ تَغْتَمّ ، فإنَّكَ إنْ كُنْتَ كَما يَقُولُ كانتْ عُقُوبةً عُجِّلَتْ ، وإنْ كُنْتَ علَى غَيْرِ ما يَقُولُ كانتْ حَسَنَةً لَمْ تَعْمَلْهَا . قالَ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ: لَيْسَ مِن أَعْلاَمِ الْحُبِّ أنْ تُحِبَّ ما يُبْغِضُ حَبِيبُكَ. وقال : إذا رَأَيْتَ رَبَّكَ يُتَابِعُ نِعَمَهُ عليكَ وأنتَ تَعْصِيهِ، فَاحْذَرْهُ . قال الشافعي: العلمُ مُرُوءَةُ مَن لا مُرُوءَةَ له وقال سفيان الثوري: إذا رأيتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ الذي اخْتُلِفَ فيه وأنتَ تَرَى غيرَه، فَلا تَنْهَهُ. قال شَقِيقٌ الْبَلْخِيُّ: مَيِّزْ بَيْنَ مَن تُعْطِيهِ ويُعْطِيكَ، فإِنْ كان مَن يُعْطِيكَ أَحَبَّ إليك فأَنْتَ مُحِبٌّ للدنيا، وإِنْ كان مَن تُعْطِيهِ أَحَبَّ إليكَ فأنتَ مُحِبٌّ للآخرةِ .
عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أنَّه قال: ما فَاتَتْنِي الصَّلاةُ في الجماعةِ مُنْذُ أربعينَ سنةً،وما أذَّنَ الْمُؤَذِّنُ مُنْذُ ثلاثينَ سنةً إِلاَّ وأنا في الْمَسْجِدِ . قالَ إبراهيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ: إنَّ الدُّنيا لا تَسُرُّ بِقَدْرِ ما تَضُرُّ ، إنَّها تَسُرُّ قليلا وتُحْزِنُ حُزْنًا طَوِيلاً . قال الْمُقَرَّبُونَ مِنَ الأَعْمَشِ: ظَلَّ الأَعْمَشُ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ تَفُتْهُ التَّكْبِيرَةُ الأُولَى ولا الصَّفُّ الأَوَّلُ، وكانَ يَلْتَمِسُ الْحَائِطَ حَتَّى يَقُومَ في الصَّفِّ الأَوَّلِ . وكان وَكِيعٌ يَذْهَبُ إليه قَرِيبًا مِنْ سِتِّينَ سَنَةً فَما رآهُ يَقْضِي رَكْعَةً . عن وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ كان يَبْتَدِئُ قَبْلَ أنْ يُحَدِّثَ فَيَقُولُ : ما هناكَ إِلاَّ عَفْوُهُ ، ولا نَعِيشُ إِلاَّ في سِتْرِهِ ، ولو كُشِفَ الْغِطَاءُ انْكَشَفَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ . مَرَّ أبو حازِمٍ بِأَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ وهو مُكْتَئِبٌ حَزِينٌ، فقال: مالي أَراكَ مُكْتَئِبًا حَزِينًا، وإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ ! قال: أَخْبِرْنِي ما وَرَاءَكَ ، قال: ذَكَرْتَ وَلَدَكَ مِنْ بَعْدِكَ، قال: نَعَمْ ، قال: فَلا تَفْعَلْ ، فَإِنْ كانوا للهِ أَوْلِيَاءَ فَلا تَخَفْ عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ ، وإِنْ كانوا للهِ أَعْدَاءً فَلا تُبَالِ ما لَقُوا بَعْدَكَ . قال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : بابٌ واحدٌ أَتَعَلَّمُه مِنَ الْعِلْمِ أَحَبُّ إليَّ مِنَ الدنيا وما فيها . قال ذُو النُّونِ: ما طابَتِ الدُّنيا إِلاَّ بِذِكْرِهِ، ولا طابَتِ الآخرةُ إِلاَّ بِعَفْوِهِ، ولا طابتِ الْجِنَانُ إلاَّ بِرُؤْيَتِه . قال ابنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: كُنَّا نأتي العالِمَ، فَما نتعلمُ منْ أَدَبهِ أَحَبُّ إلينا مِن علمه . قال أبو حَبِيبٍ الْبَدَوِيُّ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مَنْعُ اللهِ عَطاءٌ، وذلك أَنَّه لا يَمْنَعُ مِن بُخْلٍ ولا عُدْمٍ ، إِنَّما مَنْعُهُ نَظَرٌ وَاخْتِبَارٌ . وقال سفيان الثوري : الزُّهْدُ في الدنيا قِصَرُ الأَمَلِ، ليس بِأَكْلِ الْغَلِيظِ ولا لُبْسُ الْخَشِنِ . قال يَحْيَى بْنُ أبي كَثِيرٍ : لا يَأْتِي الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجَسَدِ قال الشافعي: طَلَبُ العلمِ أَفْضَلُ مِن صَلاةِ النَّافلةِ . وقال سفيان بْنُعُيَيْنَةَ: الْعِلْمُ إِنْ لَمْ يَنْفَعْكَ ضَرَّكَ ! قال أبو إسحاقَ الفزاريُّ: إنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يُحِبُّ الثَّناءَ عليه وما يُسَاوِي عندَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ . كان عمرُ يقولُ: أَحْسِنْ بِصَاحِبِكَ الظَّنَّ حتى يَغْلِبَكَ، وإذا سَمِعْتَ كَلِمَةً مِن امْرِئٍ مُسْلِمٍٍ فلا تَحْمِلْهَا علَى شَيْءٍ مِنَ الشَّرِّ ما وَجَدْتَ لها مَحْمَلاً مِنَ الْخَيْرِ . قال الْخَلِيفَةُ سليمانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لأبي حازمٍ : اِرْفَعْ إليَّ حاجَتَكَ، قال: أَيْهَاتَ، أَيْهَاتَ، قد رَفَعْتُهَا إلى مَنْ لا تُخْتَزَنُ الْحَوَائِجُ دُونَهُ، فَما أَعْطَانِي منها قَنَعْتُ، وما زَوَى عَنِّي رَضِيتُ . قال محمدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ لأحمدَ بْنِ حَنْبَلَ : يا أبا عَبْدِ اللهِ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فإذا صَحَّ عندَكُمُ الْحَدِيثُ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فَأَخْبِرُونَا به حَتَّى نَرْجِعَ إليه . إذا لم يكن ما تريد ، فَأَرِدْ ما يكون كان أبو بكرٍ الْكِتَّانِيُّ يقولُ: إذا سألتَ اللهَ التَّوْفِيقَ فَابْتَدِئْ بِالْعَمَلِ . قال حيلان بن فروة : إذا فُتِحَ لِأَحَدِكم بابُ خَيْرٍ فَلْيُسْرِعْ إليه فإِنَّهُ لا يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ عنه . قال بَكْرٌ الْمُزَنِيُّ: إِنْ عَرَضَ لكَ إِبْلِيسُ بأنَّ لكَ فَضْلاً علَى أَحَدٍ مِن أَهْلِ الإسلامِ فَانْظُرْ، فإنْ كانَ أَكْبَرَ منكَ فَقُلْ قد سَبَقَنِي هذا بالإيمانِ والعملِ الصَّالِحِ فهو خَيْرٌ مِنِّي، وإنْ كانَ أَصْغَرَ منكَ فَقُلْ قد سَبَقْتُ هذا بِالْمَعاصِي وَالذُّنُوبِ وَاسْتَوْجَبْتُ الْعُقُوبَةَ فهو خيرٌ مِنِّي ؛ فإنَّكَ لا تَرَى أحدًا مِن أَهْلِ الإسلامِ إِلاَّ أَكْبَرَ منكَ أو أَصْغَرَ منكَ . قال: وإنْ رَأَيْتَ إِخْوَانَكَ المسلمينَ مَنْ يُكْرِمُونَك ويُعَظِّمُونَك ويَصِلُونَك فقل أنتَ: هذا فَضْلٌ أَخَذُوا به ، وإنْ رَأَيْتَ منهم جَفاءً وَانْقِبَاضًا فقلْ هذا ذَنْبٌ أَحْدَثْتُهُ . وقال ذو النون : مَن تَزَيَّنَ بِعَمَلِهِ كانتْ حَسناتُه سَيِّئَاتٍ . قال عبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: الْعِلْمُ كَثِيرٌ وَالْعُلَماءُ قَلِيلٌ . كَتَبَ الحسنُ الْبَصْرِيُّ إلى أميرِ المؤمنينَ عُمَرَ بْنِ عبدِ العزيزِ: أَمَّا بَعْدُ، فإنَّ الدنيا دارُ ظَعْنٍ ليستْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، وإِنَّما أُنْزِلَ إليها آدمُ عُقُوبَةً ، فَاحْذَرْهَا يا أَمِيرَ المؤمنينَ، فإنَّ الزَّادَ منها تَرْكُها، وَالْغِنَى فيها فَقْرُهَا، لَها في كلِّ حِينٍ قَتِيلٌ، تُذِلُّ مَن أَعَزَّهَا، وتُفْقِرُ مَن جَمَعها، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُه مَن لا يَعْرِفُهُ وهُوَ حَتْفُهُ، فَكُنْ فيها كَالْمُدَاوِي لِجِرَاحَتِهِ، يَحْتَمِي قَلِيلاً مَخافَةَ ما يَكْرَهُ طَوِيلاً، ويَصْبِرُ على شِدَّةِ الأَذَى مَخافَةَ طُولِ الْبَلاءِ، وَاحْذَرْ هذه الدَّارَ الْغَرَّارَةَ التي قد زَيَّنَتْ بِخُدَعِهَا، وتَحَلَّتْ بِآمَالِهَا، وتَشَوَّفَتْ لِخُطَّابِهَا، وفَتَنَتْ بِغُرُورِهَا، فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمُحَلاَّةِ، الْعُيُونُ إليها ناظِرَةٌ، وَالْقُلُوبُ إليها وَالِهَةٌ، وَالنُّفُوسُ لها عاشِقَةٌ، وهِيَ لِأَزْوَاجِها كُلِّهم قاتِلَةٌ ! فَلا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ، ولا الآخِرُ علَى الأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ، ولا الْعَارِفُ بِاللهِ حِينَ أَخْبَرَهُ عنها مُدَّكِرٌ. وقال وكيع: مَنْ تَهَاوَنَ بِالتَّكْبِيرَةِ الأُولَى فَاغْسِلْ يَدَيْكَ منه ! قال حاتمٌ الأَصَمُّ: مَثَلُ الدُّنيا كَمَثَلِ ظِلِّكَ ، إِنْ طَلَبْتَهُ تَبَاعَدَ وإنْ تَرَكْتَهُ تَتَابَعَ . قال بنانُ الْبَغْدَادِيُّ: الْحُرُّ عَبْدٌ ما طَمِعَ ، وَالْعَبْدُ حُرٌّ ما قَنَعَ . قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: لَمْ يُدْرِكْ عِندَنا مَن أَدْرَكَ بِكَثْرَةِ صِيَامٍ ولا صَلاةٍ ، وإِنَّما أَدْرَكَ عِنْدَنا مَنْ أَدْرَكَ بِسَخَاءِ الأَنْفُسِ وسَلامَةِ الصُّدُورِ وَالنُّصْحِ لِلأُمَّةِ. قال جَعْفَرٌ بن محمد : قال مُوسَى : يا رَبِّ أَسْأَلُكَ أَلاَّ يَذْكُرَنِي أَحَدٌ إِلاَّ بِخَيْرٍ ، قال : ما فَعَلْتُ ذلك لِنَفْسِي ! قال إبراهيمُ بْنُ أحمدَ الْخَوَّاصُ : مَنْ لَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَظْفَرْ ، وإِنَّ لإِبْلِيسَ وَثاقَيْنِ ما أَوْثَقَ بَنِي آدَمَ بِأَوْثَقَ منهما : خَوْفَ الْفَقْرِ، والطَّمْعَ . قال أبو الدرداءِ: كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ للهِ تَعالَى في عِرْقٍ ساكِنٍ . سَأَلَ رَجُلٌ أبا سُلَيْمَانَ عن أَقْرَبِ ما يَتَقَرَّبُ به الْعَبْدُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ، فَبَكَى أبو سُلَيْمَانَ وقال: أَفْضَلُ ما يَتَقَرَّبُ به الْعَبْدُ إلى اللهِ أَنْ يَطَّلِعَ علَى قَلْبِكَ وأَنْتَ لا تُرِيدُ مِنَ الدُّنيا والآخِرَةِ غَيْرَهُ . عنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍرَضِيَ اللهُ عنه قال: ما مِن عَبْدٍ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَزَّ وجَلَّ إِلاَّ أَبْدَلَهُ اللهُ به ما هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ، وما تَهَاوَنَ به عَبْدٌ فَأَخَذَهُ مِن حيثُ لا يَصْلُحُ إِلاَّ آتاهُ اللهُ ما هو أَشَدُّ عليهِ مِنْهُ مِن حيثُ لا يَحْتَسِبُ . سَارَ إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ مع بَعْضِ إخوانِه يُرِيدُونَ الإسكندريةَ، فَنَزَلُوا على نَهْرِ الأُرْدُنّ يَسْتَرِيحُونَ، فَقَرَّبَ واحدٌ منهم كُسَيْرَاتٍ يابِسَاتٍ ، فأَكَلُوهَا وحَمِدُوا اللهَ تَعالَى، وقامَ أَحَدُهم لِيَسْقِيَ إبراهيمَ فَسَارَعَهُ إبراهيمُ فَدَخَلَ النَّهْرَ حَتَّى بَلَغَ الماءُ رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ شَرِبَ وقال: الْحَمْدُ للهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَمَدَّ رِجْلَيْهِ وقال: لَوْ عَلِمَ الْمُلُوكُ وأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ ما نَحْنُ فيه مِنَ السُّرُورِ وَالنَّعِيمِ إذًا لَجَالَدُونَا بِأَسْيَافِهِم علَى ما نحن فيه مِنْ لَذَّةِ الْعَيْشِ وقِلَّةِ التَّعَبِ . قال الفضيلُ بنُ عِياضٍ لابْنِه: يا عَلِيُّ، لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّكَ تُسَاوِي شيئًا، الذُّبَابُ أَطْوَعُ للهِ مِنْكَ ! عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه قال: لَمَّا ضُرِبَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ فَوَضَعَهُ علَى عَيْنَيْهِ وقال: أَنْتَ ثَمَرَةُ قَلْبِي وقُرَّةُ عَيْنِي ، بِكَ أُطْغِي وبِكَ أُكَفِّرُ وبِكَ أُدْخِلُ النَّارَ ، رَضِيتُ مِن ابْنِ آدَمَ بِحُبِّ الدُّنيا أَنْ يَعْبُدَكَ ! قال بِلالُ بْنُ سَعْدٍ : الذِّكْرُ ذِكْرَانِ : ذِكْرٌ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ جَمِيلٌ ، وذِكْرُ اللهِ عِنْدَ ما أَحَلَّ وحَرَّمَ أَفْضَلُ . قال أبو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: إنَّه لَيْسَ بينَ الْجَنَّةِ والنَّارِ طُرُقٌ ولا فَيَافِي ، ولا مَنْزِلٌ هُنَالِكَ لِأَحَدٍ؛ مَنْ أَخْطَأَتْهُ الْجَنَّةُ صارَ إلى النَّارِ . قال الشافعيُّ : ما ناظَرْتُ أحدًا قَطُّ إِلاَّ أَحْبَبْتُ أنْ يُوَفَّقَ ويُسَدَّدَ ويُعَانَ ويكونَ عليه رِعَايَةٌ مِنَ اللهِ وحِفْظٌ ، وما ناظرتُ أحدًا إِلاَّ ولَمْ أُبَالِ بَيَّنَ اللهُ الْحَقَّ على لِسَانِي أو لِسَانِه . كانَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لا يُمَاكِسُ في كُلِّ شَيْءٍ يَتَقَرَّبُ به إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ،فكان لا يُمَاكِسُ في ثَلاثٍ: في الأُجْرَةِ إلى مَكَّةَ، وفي الرَّقَبَةِ يَشْتَرِيها لِلْعِتْقِ ، وفي الأُضْحِيَّةِ . قال رِيَاحٌ: كَما لا تَنْظُرُ الأَبْصَارُ إلى شُعَاعِ الشَّمْسِ، كذلك لا تَنْظُرُ قُلُوبُ مُحِبِّي الدُّنيا إلى نُورِ الْحِكْمَةِ أَبدًا . قال الْجُنَيْدُ : أَعْلَى دَرَجَةِ الْكِبْرِ وشَرِّهَا أنْ تَرَى نَفْسَكَ فَوْقَ غَيْرِهَا، وأَدْنَاهَا في الشَّرِّ أنْ تَخْطُرَ بِبَالِكَ! وقالَ: لَيْسَ سَاعَةٌ مِن ساعاتِ الدُّنيا إِلاَّ وَهِيَ مَعْرُوضَةٌ علَى الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمًا فَيَوْمًا وسَاعةً فَساعةً، ولا تَمُرُّ به ساعةٌ لَمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعالَى فيها إِلاَّ تَقَطَّعَتْ نَفْسُه عليها حَسَرَاتٍ، فَكَيْفَ إذا مَرَّتْ به ساعةٌ معَ ساعةٍ ويومٌ معَ يومٍ ولَيْلَةٌ مَعَ لَيْلَةٍ ؟! قال أبو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ : إنَّ أَحَدَهُمْ لو سَقَطَ منه دِرْهَمٌ لَظَلَّ يَوْمَهُ يقول: إِنَّا للهِ ، ذَهَبَ دِرْهَمِي، ولا يَقُولُ ذَهَبَ يَوْمِي ما عَمِلْتُ فيه . قِيلَ لِسُفْيَانَ : ما تَرَى فِيمَنْ كَسَبَ ثَلاثينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِن غَيْرِ حَقِّهَا وقال: أَقْعُدُ أُسَبِّحُ وأَحْمَدُ وأُكَبِّرُ حتَّى أَعْمَلَ مِنَ الْحَسناتِ بِعَدَدِ هذه ؟ فقال سفيانُ: فَلْيَرُدَّها قَبْلُ ؛ فإِنَّهُ لا يُقْبَلُ له ذِكْرٌ إِلاَّ بِرَدِّهَا . رَوَى عبدُ الرحمنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قال: كانَ أبي يقولُ: أَيْ بُنَيَّ، وكيفَ تُعْجِبُكَ نَفْسُكَ وأنتَ لا تَشاءُ أنْ تَرَى مِن عِبَادِ اللهِ مَن هوَ خَيْرٌ مِنْكَ إِلاَّ رَأَيْتَهُ ؟ يا بُنَيَّ لا تَرَى أَنَّكَ خَيْرٌ مِن أَحَدٍ يَقُولُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ حتَّى تَدْخُلَ الْجنةَ ويَدْخُلَ النارَ ، فإذا دخلتَ الجنةَ ودخلَ النارَ تَبَيَّنَ لكَ أَنَّكَ خيرٌ منه . وقال سلمة بن دينار : اِعْلَمْ أَنَّكَ إذا مِتَّ لَمْ تُرْفَعِ الأَسْوَاقُ بِمَوْتِكَ ، إِنَّ شَأْنَكَ صَغِيرٌ فَاعْرِفْ نَفْسَكَ . قال الْجُنَيْدُ : الطُّرُقُ كُلُّهَا مَسْدُودَةٌ علَى الْخَلْقِ إِلاَّ مَنِ اقْتَفَى أَثَرَ الرَّسُولِ وَاتَّبَعَ سُنَّتَهُ ولَزِمَ طَرِيقَتَهُ، فإنَّ طُرُقَ الْخَيْرَاتِ كُلَّها مفتوحةٌ عليه . قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: لَيْسَتِ الدَّارُ دَارَ إِقَامَةٍ، وإِنَّما أُهْبِطَ آدَمُ إليها عُقُوبَةً، أَلاَ تَرَى كيفَ يَزْوِيهَا عنه ، يُمَرِّرُ عليه بِالْجُوعِ مَرَّةً وبِالْعُرْيِ مَرَّةً وبِالْحَاجَةِ مَرَّةً ؟ كَما تَصْنَعُ الْوَالِدَةُ الشَّفِيقَةُ بِوَلَدِهَا، تَسْقِيهِ مَرَّةً حَضِيضًا ومَرَّةً صَبِرًا ، وإِنَّما تُرِيدُ بذلكَ ما هو خَيْرٌ له . وكَتَبَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى عمرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ يُعَزِّيهِ علَى ابْنِهِ؛ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّا قَوْمٌ مِن أَهْلِ الآخِرَةِ أُسْكِنَّا الدُّنيا، أَمْوَاتٌ أَبْنَاءُ أَمْوَاتٍ، وَالْعَجَبُ لِمَيِّتٍ يَكْتُبُ إلى مَيِّتٍ يُعَزِّيهِ عَنْ مَيِّتٍ. وَالسَّلامُ ! كان طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ إذا ذُكِرَ عندَه الاختلافُ قال: لا تَقُولُوا الاخْتِلاَفَ، ولكنْ قُولُوا : السَّعَة . عنْ أبي عَوَانَةَ قال: لو قِيلَ لِمَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ: إِنَّكَ مَيِّتٌ اليومَ أو غَدًا ، ما كان عندَه مِن مَزِيدٍ . تَسَفَّهَ رجلٌ على حَمْدُونَ، فَسَكَتَ حَمْدُونُ وقالَ : يا أَخِي لَوْ نَقَصْتَنِي كُلَّ نَقْصٍ لَمْ تُنْقِصْنِي كَنَقْْصِي عِنْدِي ، ثُمَّ قالَ : تَسَفَّهَ رجلٌ على إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ فَاحْتَمَلَهُ وقال: لِأَيِّ شيءٍ تَعَلَّمْنَا الْعِلْمَ ؟! عن سعيدِبنِ الْمُسَيَّبِ قال: مَنِ اسْتَغْنَى بِاللهِ افْتَقَرَ الناسُ إليه . قال أبو الدرداء: حَذَرُ امْرِئٍ أَنْ تُبْغِضَهُ قُلُوبُ المؤمنينَ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُ ، وذلك أنَّ الْعَبْدَ يَخْلُو بِمَعاصِي اللهِ عزَّ وجلَّ فَيُلْقِي اللهُ بُغْضَهُ في قُلُوبِ المؤمنينَ مِن حيثُ لا يَشْعُرُ . قال سفيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَوْحَى اللهُ تعالى إلى مُوسَى عليهِ السَّلامُ : إنَّ أَوَّلَ مَن ماتَ إِبْلِيسُ، وذلك أَنَّهُ أَوَّلُ مَن عَصانِي، وأَنا أَعُدُّ مَن عَصانِي مِنَ الْمَوْتَى ! قال رجلٌ لِدَاوُدَ الطائِيِّ: يا أبا سليمانَ، لقد رَضِيتَ مِنَ الدنيا بِالْيَسِيرِ، قال: أَفَلاَ أَدُلُّكَ على مَن رَضِيَ بِأَقَلَّ منها ؟ مَنْ رَضِيَ بِالدُّنيا كُلِّهَا عِوَضًا عَنِ الآخِرَةِ ! قالَ أحمدُ بْنُ عاصِمٍ الأَنْطَاكِيُّ: هذه غَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ : أَصْلِحْ فِيمَا بَقِيَ يُغْفَرْ لك فِيمَا مَضَى . وقال بِلالٌ بن سعد : إذا رأيتَ الرجلَ لَجُوجًا مُمَارِيًا مُعْجَبًا بِرَأْيِه فقدْ تَمَّتْ خَسَارَتُه. قال بِشْرٌ الْحَافِي: لا يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ إِلاَّ مَنْ يَصْبِرُ علَى الأَذَى . قال الشافعي: السَّخَاءُ وَالْكَرَمُ يُغَطِّيَانِ عُيُوبَ الدُّنيا والآخِرَةِ، بَعْدَ أَلاَّ يَلْحَقَهُمَا بِدْعَةٌ . قال رجلٌ لِبِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ: عِظْنِي، قال: عَسْكَرُ الْمَوْتَى يَنْتَظِرُونَكَ! قال أحمدُ بنُ أبي الْحَوَارِيِّ: إذا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بِتَرْكِ الدُّنيا عندَ إِدْبَارِهَا فهو خُدْعَةٌ، وإذا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بِتَرْكِهَا عندَ إِقْبَالِهَا فَذَاكَ . وقال بِلاَلُ بْنُ سَعْدٍ : لا تَنْظُرْ إلى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ ولَكِنِ انْظُرْ إلى مَن عَصَيْتَ . قال سفيانُ الثوريُّ: رِضَا الناسِ غايَةٌ لا تُدْرَكُ، وطَلَبُ الدُّنيا غايةٌ لا تُدْرَكُ . كانَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ إذا أَمْسَى يَقُولُ: هَذِهِ لَيْلَةُ الرُّكُوعِ فَيَرْكَعُ حَتَّى يُصْبِحَ ، وكان يقولُ إذا أَمْسَى: هذه لَيْلَةُ السُّجُودِ فَيَسْجُدُ حَتَّى يُصْبِحَ . وكان إذا أَمْسَى تَصَدَّقَ بِمَا في بَيْتِهِ مِنَ الْفَضْلِ مِنَ الطَّعامِ وَالثِّيَابِ ثم يقولُ : اللَّهُمَّ مَن ماتَ جُوعًا فَلا تُؤَاخِذْنِي به ، ومَن ماتَ عُرْيَانًا فَلا تُؤَاخِذْنِي به ! قال أبو حازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ: كُلُّ نِعْمَةٍ لا تُقَرِّبُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ فَهِيَ بَلِيَّةٌ. كان عمرُبن عبد العزيز يَخْطُبُ الناسَ فَيقُولُ: أَيُّهَا الناسُ، مَنْ أَلَمَّ بِذَنْبٍ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللهَ وَلْيَتُبْ، فإنْ عادَ فَلْيَسْتَغْفِرْ وَلْيَتُبْ، فإنْ عادَ فَلْيَسْتَغْفِرْ ولْيَتُبْ، فَإِنَّما هي خَطايَا مُطَوَّقَةٌ في أَعْنَاقِ الرِّجَالِ، وإنَّ الْهَلاكَ كُلَّ الْهَلاكِ الإِصْرَارُ عليها . قال الْجُنَيْدُ بْنُ محمدٍ لِرَجُلٍ : لا تَيْأَسْ مِن نَفْسِكَ وأنتَ تُشْفِقُ مِن ذَنْبِكَ وتَنْدَمُ عليه بعدَ فِعْلِكَ . ذُكِرَ رَجُلٌ عندَ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ فقال: ما أنا عَن نَفْسِي بِرَاضٍ فَأَتَفَرَّغَ منها إلى آدَمِيٍّ غَيْرِهَا، إنَّ العبادَ خافُوا اللهَ على ذُنُوبِ غَيْرِهم وَأَمِنُوهُ على ذُنُوبِ أَنْفُسِهم ! قال عُمَرُ بْنُ عبدِ الْعَزِيزِ لأَبِي حازِمٍ: عِظْنِي يا أبا حازِمٍ ، قال: اِضْطَجِعْ ثُمَّ اجْعَلِ الْمَوْتَ عندَ رَأْسِكَ، ثم انْظُرْ ما تُحِبُّ أنْ تَكُونَ فيه تلكَ السَّاعَةَ فَخُذْ فيه الآنَ، وما تَكْرَهُ أنْ تَكُونَ فيه تلكَ السَّاعةَ فَاتْرُكْهُ الآنَ . قالَ الأوزاعيُّ: مَن أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ كَفاهُ الْيَسِيرُ، ومَن عَلِمَ أنَّ مَنْطِقَهُ مِن عَمَلِهِ قَلّ كَلامُهُ . كان محمدُ بنُ يُوسُفَ لا يَشْتَرِي مِن خَبَّازٍ واحِدٍ ولا مِن بَقَّالٍ واحِدٍ، يقولُ: لَعَلَّهم يَعْرِفُونِي فَيُحَابُونِي، فَأَكُونَ مِمَّنْ أَعِيشُ بِدِينِي ! وقال: الْفَاجِرُ الرَّاجِي لِرَحْمَةِ اللهِ أَقْرَبُ إلى اللهِ مِنَ الْعَابِدِ الذي يَرَى أَنَّهُ لا يَنالُ ما عِنْدَ اللهِ إِلاَّ بِعَمَلِهِ . عن حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قال: قال لنا أَيُّوبُ: إِنَّكَ لا تُبْصِرُ خَطَأَ مُعَلِّمِكَ حتَّى تُجَالِسَ غَيْرَه، جالِسِ النَّاسَ . قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: إِنَّما جُعِلَتِ الْعِلَلُ لِيُؤَدَّبَ بها الْعِبَادُ، ليس كُلُّ مَن مَرِضَ ماتَ ! عن بكرِ بْنِ عبدِاللهِ قال: إنَّ اللهَ لَيُجْرِعُ عَبْدَهُ المؤمنَ مِنَ الْمَرَارَةِ لِمَا يُرِيدُ به مِن صَلاحِ عاقِبَةِ أَمْرِهِ . قال بكرٌ : أَمَا رَأَيْتُمُ الْمَرْأَةَ تَسْقِي وَلَدَها الصَّبْرَ تُرِيدُ به عافِيَتَهُ ؟ قال عبدُ الرحمنِ بْنُ مَهْدِيِّ لِبِشْرٍ: إِنَّا لَنَجْلِسُ مَجْلِسَ خَيْرٍ وبَرَكَةٍ، فقال: نِعْمَ الْمَجْلِسُ ، فقال عبدُ الرحمنِ: إنَّه رُبَّمَا لَمْ يُجْلَسْ إليَّ فَكُنْتُ أَغْتَمُّ، فقالَ: إنْ كُنْتَ تَشْتَهِي أنْ يُجْلَسَ إليكَ اتْرُكْ هذا الْمَجْلِسَ . عنْ جابِرٍ قالَ: قال لي محمدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ : يا جابِرُ بَلَغَنِي أنَّ قَوْمًا بِالْعِرَاقِ يَزْعُمُونَ أَنَّهم يُحِبُّونَنَا وَيَنَالُونَ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، ويَزْعُمُونَ أَنِّي أَمَرْتُهُمْ بِذَلِكَ، فَأَبْلِغْهُمْ أَنِّي إلى اللهِ مِنْهُمْ بَرِيءٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ وُلِّيتُ لَتَقَرَّبْتُ إلى اللهِ تَعالَى بِدِمَائِهِم ، لا نَالَتْنِي شَفاعَةُ محمدٍإِنْ لَمْ أَكُنْ أَسْتَغْفِرُ لهما وأَتَرَحَّمُ عَليهِمَا ، إنَّ أَعْدَاءَ اللهِ لَغَافِلُونَ عنهما ، ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ فَضْلَ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ الله عنهما فَقَدْ جَهِلَ السُّنَّةَ . قال جَعْفَرٌ الْخَلدِيُّ : الْفَرْقُ بينَ الرِّيَاءِ وَالإِخْلاَصِ أنَّ الْمُرَائِيَ يَعْمَلُ لِيُرَى وَالْمُخْلِصَ يعملُ لِيَصِلَ . وقال: رأيتُ الدُّنيا في النَّوْمِ عَجُوزًا حَدْبَاءَ مُشَوَّهَةً تُصَفِّقُ بِيَدَيْهَا، وخَلْفَها خَلْقٌ يَتْبَعُونَها يُصَفِّقُونَ ويَرْقُصُونَ، فَلَمَّا كانتْ بِحِذَائِي أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فقالتْ: لَوْ ظَفَرْتُ بكَ صَنَعْتُ بكَ ما صَنَعْتُ بِهؤلاءِ . قال الشافعي: كُلُّ ما قُلْتُ وكان عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ خِلاَفُ قَوْلِي مِمَّا يَصِحُّ، فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أَوْلَى ولاَ تُقَلِّدُونِي وقال: رَحِمَ اللهُ رَجُلاً لَمْ يَغُرّهُ كَثْرَةُ ما يَرى مِن كَثْرَةِ الناسِ، ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ تَموتُ وَحْدَكَ، وتَدْخُلُ الْقَبْرَ وحدَك،وتُبعثُ وحدَك، وتُحاسَبُ وحدَك، ابْنَ آدَمَ، وأنتَ الْمَعْنِيُّ وإِيَّاكَ يُرَادُ. وقال شقيق البلخي : مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلَةً وهو يخافُ أنْ يَحْمِلَ شَوْكًا، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ رَجُلٍ زَرَعَ شَوْكًا وهو يَطْمَعُ أنْ يَحْصُدَ تَمْرًا، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! كُلُّ مَنْ عَمِلَ حَسَنًا فإنَّ اللهَ لا يَجْزِيهِ إِلاَّ حَسَنًا، ولا تَنْزِلُ الأَبْرَارُ مَنازِلَ الْفُجَّارِ . سُئِلَ ذُو النُّونِ: ما لنا لا نَقْوَى علَى النَّوافِلِ ؟ قال: لأَنَّكُم لا تُصِحُّونَ الْفَرائِضَ . قال أبو حازمٍ : ابْنَ آدَمَ ، بَعْدَ الْمَوْتِ يَأْتِيكَ الْخَبَرُ . قال ذَرٌّ لأبيهِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ: ما بالُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَتكلَّمونَ فلا يَبْكِي أَحَدٌ، فإذا تَكلمتَ يا أَبَتِ سَمِعْتُ الْبُكاَء َمِن هاهنا وهاهنا ؟ فقال: يا بُنَيَّ، لَيْسَتِ النَّائِحَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ كَالنَّائِحَةِ الثَّكْلَى . عن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قال: يُقَالُ مَنِ اتَّقَى اللهَ أَحَبَّهُ الناسُ وإِنْ كَرِهُوا . قال رجلٌ لِلْحَسَنِ : يا أبا سَعِيدٍ: الرَّجُلُ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ، ثمَّ يُذْنِبُ ثم يَتُوبُ، حَتَّى مَتى؟ قال: ما أَعْلَمُ هذا إِلاَّ أَخْلاَقَ الْمُؤْمِنِينَ . قال أبو بكرِ بْنُ عَيَّاشٍ: قال لي رجلٌ مَرَّةً وأنا شَابٌّ : خَلِّصْ رَقَبَتَكَ ما استطعتَ في الدُّنيا مِنْ رِقِّ الآخرةِ، فإنَّ أَسِيرَ الآخرةِ غَيْرُ مَفْكُوكٍ أَبَدًا. قال أبو بكرٍ: فَما نَسِيتُهَا أَبَدًا . قال عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ : لا خَيْرَ في عِبَادَةٍ لا عِلْمَ فيها، ولا خَيْرَ في عِلْمٍ لا فَهْمَ فيه، ولا خَيْرَ في قراءةٍ لا تَدَبُّرَ فيها . سُئِلَ الْجُنَيْدُ بْنُ محمدٍ عنْ حَقِيقةِ الشُّكْرِ فقال : أَلاَّ يُسْتَعانَ بِشَيْءٍ مِن نِعَمِهِ علَى مَعاصِيه . رُئِيَ إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ في يَوْمٍ صائِفٍ وعليهِ جُبَّةُ فَرْوٍٍ مَقْلُوبَةٌ، في أَصْلِ سَيْلٍ ، مُسْتَلْقِيًا رَافِعًا رِجْلَيْهِ يقولُ: طَلَبَ الْمُلُوكُ الرَّاحَةَ فَأَخْطَئُوا الطَّرِيقَ . قال جعفرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : إذا بَلَغَكَ عن أَخِيكَ شَيْءٌيَسُوءُكَ فَلاَ تَغْتَمّ ، فإنَّكَ إنْ كُنْتَ كَما يَقُولُ كانتْ عُقُوبةً عُجِّلَتْ ، وإنْ كُنْتَ علَى غَيْرِ ما يَقُولُ كانتْ حَسَنَةً لَمْ تَعْمَلْهَا . قالَ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ: لَيْسَ مِن أَعْلاَمِ الْحُبِّ أنْ تُحِبَّ ما يُبْغِضُ حَبِيبُكَ. وقال : إذا رَأَيْتَ رَبَّكَ يُتَابِعُ نِعَمَهُ عليكَ وأنتَ تَعْصِيهِ، فَاحْذَرْهُ . قال الشافعي: العلمُ مُرُوءَةُ مَن لا مُرُوءَةَ له وقال سفيان الثوري: إذا رأيتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ الذي اخْتُلِفَ فيه وأنتَ تَرَى غيرَه، فَلا تَنْهَهُ. قال شَقِيقٌ الْبَلْخِيُّ: مَيِّزْ بَيْنَ مَن تُعْطِيهِ ويُعْطِيكَ، فإِنْ كان مَن يُعْطِيكَ أَحَبَّ إليك فأَنْتَ مُحِبٌّ للدنيا، وإِنْ كان مَن تُعْطِيهِ أَحَبَّ إليكَ فأنتَ مُحِبٌّ للآخرةِ . 
|
روابط مفيدة
|
| |||||
