تَسَفَّهَ رجلٌ على حَمْدُونَ، فَسَكَتَ حَمْدُونُ وقالَ : يا أَخِي لَوْ نَقَصْتَنِي كُلَّ نَقْصٍ لَمْ تُنْقِصْنِي كَنَقْْصِي عِنْدِي ، ثُمَّ قالَ : تَسَفَّهَ رجلٌ على إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ فَاحْتَمَلَهُ وقال: لِأَيِّ شيءٍ تَعَلَّمْنَا الْعِلْمَ ؟! 
نَظَرَ يَحْيَى يَوْمًا إلى إنسانٍ وهُوَ يُقَبِّلُ وَلَدًا له صَغِيرًا ، فقالَ : أَتُحِبُّهُ ؟ قال: نَعَمْ، قال : هَذا حُبُّكَ له إِذْ وَلَدْتَهُ، فَكَيْفَ بِحُبِّ اللهِ له إِذْ خَلَقَهُ ؟ وقالَ بِشْرٌ الْحَافِي: الْعَجَبُ أنْ تَسْتَكْثِرَ عَمَلَكَ وتَسْتَقِلَّ عَمَلَ النَّاسِ . عن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ قال: هذا الَّذِي تَرَوْنَ كُلُّهُ أو عَامَّتُهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وما بِتُّ مُنْذُ ثلاثينَ سنةً إِلاَّ وأنا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ . قال ذَرٌّ لأبيهِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ: ما بالُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَتكلَّمونَ فلا يَبْكِي أَحَدٌ، فإذا تَكلمتَ يا أَبَتِ سَمِعْتُ الْبُكاَء َمِن هاهنا وهاهنا ؟ فقال: يا بُنَيَّ، لَيْسَتِ النَّائِحَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ كَالنَّائِحَةِ الثَّكْلَى . قال إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ لِشَقِيقٍ الْبَلْخِيِّ : يا شَقِيقُ، لَمْ يَنْبُلْ عندَنا مَن نَبُلَ بِالْحَجِّ ولا بِالْجِهَادِ، وإِنَّما نَبُلَ عندَنا مَن نَبُلَ مَن كان يَعْقِلُ ما يَدْخُلُ جَوْفَهِ مِن حِلِّهِ . وقال وكيع: مَنْ تَهَاوَنَ بِالتَّكْبِيرَةِ الأُولَى فَاغْسِلْ يَدَيْكَ منه ! عن وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ كان يَبْتَدِئُ قَبْلَ أنْ يُحَدِّثَ فَيَقُولُ : ما هناكَ إِلاَّ عَفْوُهُ ، ولا نَعِيشُ إِلاَّ في سِتْرِهِ ، ولو كُشِفَ الْغِطَاءُ انْكَشَفَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ . قال بِشْرٌ الْحَافِي: لا يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ إِلاَّ مَنْ يَصْبِرُ علَى الأَذَى . قال أبو إِدْرِيسٍ الْخَوْلانِيُّ: مَنْ جَعَلَ هُمُومَهُ هَمًّا وَاحِدًا كَفَاهُ اللهُ هُمُومَهُ ، ومَن كان له في كُلِّ يَوْمٍ هَمٌّ لَمْ يُبَالِ اللهُ في أيِّهَا هَلَكَ . قال الشافعي: السَّخَاءُ وَالْكَرَمُ يُغَطِّيَانِ عُيُوبَ الدُّنيا والآخِرَةِ، بَعْدَ أَلاَّ يَلْحَقَهُمَا بِدْعَةٌ . قال عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ : لا خَيْرَ في عِبَادَةٍ لا عِلْمَ فيها، ولا خَيْرَ في عِلْمٍ لا فَهْمَ فيه، ولا خَيْرَ في قراءةٍ لا تَدَبُّرَ فيها . قال أبو حازم: مَنْ عَرَفَ الدُّنيا لَمْ يَفْرَحْ فيها بِرَخَاءٍ ولَمْ يَحْزَنْ علَى بَلْوَى . وقال مَحْفُوظٌ : أَكْثَرُ النَّاسِ خَيْرًا أَسْلَمُهُمْ صَدْرًا لِلْمُسْلِمِينَ . قال الْجُنَيْدُ : أَعْلَى دَرَجَةِ الْكِبْرِ وشَرِّهَا أنْ تَرَى نَفْسَكَ فَوْقَ غَيْرِهَا، وأَدْنَاهَا في الشَّرِّ أنْ تَخْطُرَ بِبَالِكَ! وقال سفيان الثوري : إِنَّما أَرْبَابُ الْعِلْمِ الذين هُمْ أَهْلُه الذينَ يعملون به قال الشافعي: كُلُّ ما قُلْتُ وكان عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ خِلاَفُ قَوْلِي مِمَّا يَصِحُّ، فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أَوْلَى ولاَ تُقَلِّدُونِي قال رجلٌ لِبِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ: عِظْنِي، قال: عَسْكَرُ الْمَوْتَى يَنْتَظِرُونَكَ! عن محمدِ بْنِ سِيرِينَ قال: إِنَّ هَذاالْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ . عنْ جابِرٍ قالَ: قال لي محمدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ : يا جابِرُ بَلَغَنِي أنَّ قَوْمًا بِالْعِرَاقِ يَزْعُمُونَ أَنَّهم يُحِبُّونَنَا وَيَنَالُونَ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، ويَزْعُمُونَ أَنِّي أَمَرْتُهُمْ بِذَلِكَ، فَأَبْلِغْهُمْ أَنِّي إلى اللهِ مِنْهُمْ بَرِيءٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ وُلِّيتُ لَتَقَرَّبْتُ إلى اللهِ تَعالَى بِدِمَائِهِم ، لا نَالَتْنِي شَفاعَةُ محمدٍإِنْ لَمْ أَكُنْ أَسْتَغْفِرُ لهما وأَتَرَحَّمُ عَليهِمَا ، إنَّ أَعْدَاءَ اللهِ لَغَافِلُونَ عنهما ، ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ فَضْلَ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ الله عنهما فَقَدْ جَهِلَ السُّنَّةَ . عن يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قالَ: تَعَلَّمُوا النِّيَّةَ فَإِنَّها أَبْلَغُ مِنَ الْعَمَلِ. وقال سلمة بن دينار : اِعْلَمْ أَنَّكَ إذا مِتَّ لَمْ تُرْفَعِ الأَسْوَاقُ بِمَوْتِكَ ، إِنَّ شَأْنَكَ صَغِيرٌ فَاعْرِفْ نَفْسَكَ . قال أبو الدَّرْدَاءِ: الناسُ ثلاثةٌ: عالمٌ ، ومتعلمٌ ، والثالثُ هَمَجٌ لا خَيْرَ فيه. قال بِشْرٌ الْحَافِي: إنْ لَمْ تَعْمَلْ بِالطَّاعَةِ فَلا تَعْصِ . قال سفيانُ: صَحِبْنَا رَبِيعَ بْنَ خَيْثَمٍ عشرينَ سَنَةً فَما تَكَلَّمَ إِلاَّ بِكَلِمَةٍ صالحةٍ تَصْعَدُ . قالَ أَيُّوبُ: إذا لَمْ يَكُنْ ما تُرِيدُفَأَرِدْ ما يَكُونُ. سُئِلَ الْجُنَيْدُ بْنُ محمدٍ عنْ حَقِيقةِ الشُّكْرِ فقال : أَلاَّ يُسْتَعانَ بِشَيْءٍ مِن نِعَمِهِ علَى مَعاصِيه . قال أبو سعيدٍ الْخَزَّازُ : كلُّ ما فاتَكَ مِنَ اللهِ سِوَى اللهِ يَسِيرٌ، وكلُّ حَظٍّ لك سِوَى اللهِ قليلٌ . قال أبو الدرداء: لا تُكَلِّفُوا الناسَ ما لَمْ يُكَلَّفُوا، ولا تُحَاسِبُوا النَّاسَ دُونَ رَبِّهِم، ابْنَ آدَمَ، عَلَيْكَ نَفْسَكَ، فإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ ما يَرَى في الناسِ يَطُولُ حُزْنُهُ ولا يَشْفِ غَيْظَهُ . وقال : لِكُلِّ شَيْءٍ أَسَاسٌ، وأَساسُ الإسلامِ الْخُلُقُ الْحَسَنُ . قال حاتمٌ الأَصَمُّ: مَثَلُ الدُّنيا كَمَثَلِ ظِلِّكَ ، إِنْ طَلَبْتَهُ تَبَاعَدَ وإنْ تَرَكْتَهُ تَتَابَعَ . قال مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ: إذا أَرادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتَحَ عليه بابَ الْعَمَلِ وأَغْلَق عنه بابَ الْجَدَلِ، وإذا أرادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَغْلَقَ عليه بابَ الْعَمَلِ وفَتَحَ عليه بابَ الْجَدَلِ . قال عبدُ الرحمنِ بْنُ مَهْدِيِّ لِبِشْرٍ: إِنَّا لَنَجْلِسُ مَجْلِسَ خَيْرٍ وبَرَكَةٍ، فقال: نِعْمَ الْمَجْلِسُ ، فقال عبدُ الرحمنِ: إنَّه رُبَّمَا لَمْ يُجْلَسْ إليَّ فَكُنْتُ أَغْتَمُّ، فقالَ: إنْ كُنْتَ تَشْتَهِي أنْ يُجْلَسَ إليكَ اتْرُكْ هذا الْمَجْلِسَ . قال حَبِيبٌ: لا تَقْعُدُوا فُرَّاغًا فإِنَّ الْمَوْتَ يَلِيكُمْ. وكَتَبَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى عمرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ يُعَزِّيهِ علَى ابْنِهِ؛ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّا قَوْمٌ مِن أَهْلِ الآخِرَةِ أُسْكِنَّا الدُّنيا، أَمْوَاتٌ أَبْنَاءُ أَمْوَاتٍ، وَالْعَجَبُ لِمَيِّتٍ يَكْتُبُ إلى مَيِّتٍ يُعَزِّيهِ عَنْ مَيِّتٍ. وَالسَّلامُ ! وقال ابن مسعود : لاَ يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلاً، فَإِنْ آمَنَ آمَنَ، وإِنْ كَفَرَ كَفَرَ، فإنْ كُنْتُمْ لاَبُدََّ مُقْتَدِينَ فَاقْتَدُوا بِالْمَيِّتِ، فإِنَّ الْحَيَّ لا تُؤْمَنُ عليه الْفِتْنَةُ. قال مالكُ بنُ دِينَارٍ: رأيتُ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ في مَنامِي بعدَ مَوْتِه بِسَنَةٍ، فَسَلَّمْتُ عليه فَلَمْ يَرُدّ عَليَّ السَّلامَ، فقلتُ: لِمَ لا تَرُدّ عليَّ السَّلامَ؟ قال: أنا مَيِّتٌ فَكَيْفَ أَرُدُّ السَّلامَ، فقلتُ: ماذا لَقِيتَ يَوْم الْمَوْتِ ؟ قال: قد لَقِيتُ أَهْوَالاً وزَلاَزِلَ عِظَامًا شِدَادًا، قلتُ: وماذا كانَ بَعْدَ ذلكَ؟ قال: وما تُرَاهُ يكونُ مِنَ الْكَرِيمِ! قَبِلَ مِنَّا الْحَسَناتِ، وعَفا لنا عَنِ السَّيِّئَاتِ، وضَمِنَ عَنَّا التَّبِعَاتِ . عنْ حَيْلاَنَ بْنِ فَرْوَةَ أنَّ مُوسَى عليه السَّلامُ قال: إِلَهِي كيفَ أَشْكُرُكَ، وأَصْغَرُ نِعْمَةٍ وَضَعْتَها عِنْدِي مِن نِعَمِكَ لا يُجَازِي ِبَها عَمَلِي كُلُّه ؟ فَأَوْحَى اللهُ إليه: يا مُوسَى، الآنَ شَكَرْتَنِي ! وقال علي رَضِيَ اللهُ عنه: أَلاَ إِنَّ الْفَقِيهَ كُلَّ الْفِقْهِ الَّذِي لا يُقَنِّطُ الناسَ مِن رَحْمَةِ اللهِ، ولا يُؤَمِّنُهم مِن عذابِ اللهِ، ولا يُرَخِّصُ لهم في مَعاصِي اللهِ، ولا يَدَعُ القرآنَ رَغْبَةً عنه إلى غَيْرِهِ. قِيلَ لِسُفْيَانَ : ما تَرَى فِيمَنْ كَسَبَ ثَلاثينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِن غَيْرِ حَقِّهَا وقال: أَقْعُدُ أُسَبِّحُ وأَحْمَدُ وأُكَبِّرُ حتَّى أَعْمَلَ مِنَ الْحَسناتِ بِعَدَدِ هذه ؟ فقال سفيانُ: فَلْيَرُدَّها قَبْلُ ؛ فإِنَّهُ لا يُقْبَلُ له ذِكْرٌ إِلاَّ بِرَدِّهَا . وقال سفيان بْنُعُيَيْنَةَ: مَنْ رَأَى أَنَّه خَيْرٌ مِن غَيْرِهِ فَقَدِ اسْتَكْْبَرَ، وذَاكَ أنَّ إِبْلِيسَ إِنَّما مَنَعَهُ مِنَ السُّجُودِ لآدَمَ عليه السَّلامُ اسْتِكْبَارُهُ . رَوَى عبدُ الرحمنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قال: كانَ أبي يقولُ: أَيْ بُنَيَّ، وكيفَ تُعْجِبُكَ نَفْسُكَ وأنتَ لا تَشاءُ أنْ تَرَى مِن عِبَادِ اللهِ مَن هوَ خَيْرٌ مِنْكَ إِلاَّ رَأَيْتَهُ ؟ يا بُنَيَّ لا تَرَى أَنَّكَ خَيْرٌ مِن أَحَدٍ يَقُولُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ حتَّى تَدْخُلَ الْجنةَ ويَدْخُلَ النارَ ، فإذا دخلتَ الجنةَ ودخلَ النارَ تَبَيَّنَ لكَ أَنَّكَ خيرٌ منه . قال الحارثُ بْنُ أَسَدٍ الْمُحَاسَبَيُّ: لا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أنْ يَطْلُبَ الْوَرَعَ بِتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ . وقال: علَى قَدْرِ إِعْزَازِ الْمُؤْمِنِ لأَمْرِ اللهِ يُلْبِسُهُ اللهُ مِن عِزِّهِ ويُقِيمُ له الْعِزَّ في قُلوبِ المؤمنينَ، فَذَلِكَ قَوْلُه تَعالَى ( وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) سُئِلَ ذُو النُّونِ: ما لنا لا نَقْوَى علَى النَّوافِلِ ؟ قال: لأَنَّكُم لا تُصِحُّونَ الْفَرائِضَ . عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه قال: لَمَّا ضُرِبَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ فَوَضَعَهُ علَى عَيْنَيْهِ وقال: أَنْتَ ثَمَرَةُ قَلْبِي وقُرَّةُ عَيْنِي ، بِكَ أُطْغِي وبِكَ أُكَفِّرُ وبِكَ أُدْخِلُ النَّارَ ، رَضِيتُ مِن ابْنِ آدَمَ بِحُبِّ الدُّنيا أَنْ يَعْبُدَكَ ! قال الشافعيُّ: اللَّبِيبُ الْعاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ . قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: إِنَّما جُعِلَتِ الْعِلَلُ لِيُؤَدَّبَ بها الْعِبَادُ، ليس كُلُّ مَن مَرِضَ ماتَ ! قال مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ ؛ فإنَّ تَعَلُّمَهُ للهِ خَشْيَةٌ، وطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، ومُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عنه جِهَادٌ ، وتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لا يَعْلَمُه صَدَقَةٌ، وبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ، لأَنَّهُ مَعالِمُ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ، ومَنَارُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، والأُنْسُ في الْوَحْشَةِ، وَالصَّاحِبُ في الْغُرْبَةِ ، وَالْمُحَدِّثُ في الْخَلْوَةِ، والدَّلِيلُ علَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالسِّلاَحُ على الأَعْدَاءِ، وَالدِّينُ عِنْدَ الأَجِلاَّءِ، يَرْفَعُ اللهُ به أَقْوَامًا ويَجْعَلُهم في الخيرِ قَادةً وأَئِمَّةً، تُقْتَبَسُ آثَارُهُمْ ، ويُقْتَدَى بِفِعَالِهم، ويُنْتَهَى إلى رَأْيِهِم، تَرْغَبُ الملائكةُ في خُلَّتِهم، وبِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهم، يَسْتَغْفِرُ لهم كلُّ رَطْبٍ ويابِسٍ، حَتَّى الْحِيتَانُ في الْبَحْرِ وهَوَامُّهُ ، وسِبَاعُ الطَّيْرِ وأَنْعَامُهُ، لأَنَّ الْعِلْمَ حَياةُ الْقُلُوبِ مِنَ الْجَهْلِ، ومِصْبَاحُ الأبصارِ مِنَ الظُّلَمِ ، يُبْلَغُ بِالْعِلْمِ مَنازِلَ الأَخْيَارِ، وَالدَّرَجَةَ الْعُلْيَا في الدُّنيا والآخرةِ، وَالتَّفَكُّرُ فيه يُعْدَلُ بِالصِّيَام ،ومُدَارَسُتُه بِالْقِيَامِ ، بهِ تُوصَلُ الأرحامُ، ويُعْرَفُ الحلالُ مِنَ الحرامِ ، إِمَامُ الْعُمَّالِ وَالْعَمَلُ تَابِعُهُ، يًُلْهَمُهُ السُّعَدَاءُ، ويُحْرَمُهُ الأَشْقِيَاءُ كانَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لا يُمَاكِسُ في كُلِّ شَيْءٍ يَتَقَرَّبُ به إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ،فكان لا يُمَاكِسُ في ثَلاثٍ: في الأُجْرَةِ إلى مَكَّةَ، وفي الرَّقَبَةِ يَشْتَرِيها لِلْعِتْقِ ، وفي الأُضْحِيَّةِ . سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ: هَلْ كانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُونَ ؟ قال: نَعَمْ، والإيمانُ في قُلُوبِهم أَعْظَمُ مِنَ الْجِبَالِ . قال ابْنُ سِيرِينَ: إِنِّي لأَعْرِفُ الذَّنْبَ الذِي حُمِلَ عَلَيَّ به الدَّيْنُ ما هو ؛ قُلْتُ لِرَجُلٍ مِن أَرْبَعِينَ سنةً يَا مُفْلِسُ!فَلَمَّا سَمِعَ أبو سليمانَ الدَّارَانِيُّ ذلكَ قال: قَلَّتْ ذُنُوبُهم فَعَرَفُوا مِن أَيْنَ يُؤْتَوْنَ ، وكَثُرَتْ ذُنُوبُنَا وذُنُوبُكَ فَلَيْسَ نَدْرِي مِن أينَ نُؤْتَى . وقال : إذا رَأَيْتَ رَبَّكَ يُتَابِعُ نِعَمَهُ عليكَ وأنتَ تَعْصِيهِ، فَاحْذَرْهُ . كان أبو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ بْنُ محمدٍ كثيرًا ما يقولُ: عِلْمُنَا مَضْبُوطٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، مَنْ لَمْ يَحْفَظِ القرآنَ ولَمْ يَكْتُبِ الْحَدِيثَ ولَمْ يَتَفَقَّهْ لا يُقْتَدَى به . وقال سفيان الثوري : ما ضَرَّهُمْ ما أَصَابَهُمْ في الدُّنْيَا، جَبَرَ اللهُ لهم كُلََّ مُصِيبَةٍ بِالْجَنَّةِ . قال إبراهيمُ بنُ أدهمَ: لَمْ يَصْدُقِ اللهََ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ . قيل لِسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: مَن أَعْبَدُ الناسِ ؟ قال: رجلٌ اجْتَرَحَ مِنَ الذُّنوبِ فَكُلَّما ذَكَرَ ذُنُوبَهُ احْتَقَرَ عَمَلَهُ . قال أبو حازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ: كُلُّ نِعْمَةٍ لا تُقَرِّبُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ فَهِيَ بَلِيَّةٌ. كان القلانسيُّ يقولُ: بِنَاءُ مَذْهَبِنَا علَى شَرَائِطَ ثَلاثٍ: لا نُطَالِبُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بِوَاجِبِ حَقِّنَا، ونُطَالِبُ أَنْفُسَنا بِحُقُوقِ الناسِ ، ونُلْزِمُ أَنْفُسَنا التَّقْصِيرَ في جميعِ ما نَأْتِي به . قال سفيان الثوري: إِنَّما الْعِلْمُ عندَنا الرُّخَصُ عَنِ الثِّقَةِ، فأَمَّا التَّشْدِيدُ فَكُلُّ إنسانٍ يُحْسِنُهُ ! قال أبو الدرداءِ: كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ للهِ تَعالَى في عِرْقٍ ساكِنٍ . قال إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ لِشَقِيقٍ الْبَلْخِيِّ : يا شَقِيقُ ، لَمْ يَنْبُلْ عندَنا مَن نَبُلَ بِالْحَجِّ ولا بِالْجِهَادِ، وإِنَّما نَبُلَ عندَنا مَن نَبُلَ مَن كان يَعْقِلُ ما يَدْخُلُ جَوْفَهِ مِن حِلِّهِ . كَتَبَ الحسنُ الْبَصْرِيُّ إلى أميرِ المؤمنينَ عُمَرَ بْنِ عبدِ العزيزِ: أَمَّا بَعْدُ، فإنَّ الدنيا دارُ ظَعْنٍ ليستْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، وإِنَّما أُنْزِلَ إليها آدمُ عُقُوبَةً ، فَاحْذَرْهَا يا أَمِيرَ المؤمنينَ، فإنَّ الزَّادَ منها تَرْكُها، وَالْغِنَى فيها فَقْرُهَا، لَها في كلِّ حِينٍ قَتِيلٌ، تُذِلُّ مَن أَعَزَّهَا، وتُفْقِرُ مَن جَمَعها، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُه مَن لا يَعْرِفُهُ وهُوَ حَتْفُهُ، فَكُنْ فيها كَالْمُدَاوِي لِجِرَاحَتِهِ، يَحْتَمِي قَلِيلاً مَخافَةَ ما يَكْرَهُ طَوِيلاً، ويَصْبِرُ على شِدَّةِ الأَذَى مَخافَةَ طُولِ الْبَلاءِ، وَاحْذَرْ هذه الدَّارَ الْغَرَّارَةَ التي قد زَيَّنَتْ بِخُدَعِهَا، وتَحَلَّتْ بِآمَالِهَا، وتَشَوَّفَتْ لِخُطَّابِهَا، وفَتَنَتْ بِغُرُورِهَا، فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمُحَلاَّةِ، الْعُيُونُ إليها ناظِرَةٌ، وَالْقُلُوبُ إليها وَالِهَةٌ، وَالنُّفُوسُ لها عاشِقَةٌ، وهِيَ لِأَزْوَاجِها كُلِّهم قاتِلَةٌ ! فَلا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ، ولا الآخِرُ علَى الأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ، ولا الْعَارِفُ بِاللهِ حِينَ أَخْبَرَهُ عنها مُدَّكِرٌ. ذُكِرَ عِنْدَ الإمامِ أَحْمَدَ يَوْمًا رَجُلٌ ، فقالَ : يا بُنَيَّ الْفَائِزُ مَن فازَ غَدًا ولَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عندَه تَبِعَةٌ . قِيلَ لِحَمْدُونَ بْنِ أحمدَ: ما بَالُ كَلامِ السَّلَفِ أَنْفَعُ مِن كَلامِنَا ؟ قال: لأَنَّهم تَكَلَّمُوا لِعِزِّ الإسلامِ ونَجاةِ النُّفُوسِ ورِضَاءِ الرحمنِ ، ونحنُ نَتَكَلَّمُ لِعِزِّ النَّفْسِ وطَلَبِ الدُّنيا وقَبُولِ الْخَلْقِ . قال محمدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ لأحمدَ بْنِ حَنْبَلَ : يا أبا عَبْدِ اللهِ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فإذا صَحَّ عندَكُمُ الْحَدِيثُ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فَأَخْبِرُونَا به حَتَّى نَرْجِعَ إليه . وقال: الْفَاجِرُ الرَّاجِي لِرَحْمَةِ اللهِ أَقْرَبُ إلى اللهِ مِنَ الْعَابِدِ الذي يَرَى أَنَّهُ لا يَنالُ ما عِنْدَ اللهِ إِلاَّ بِعَمَلِهِ . وقال: الْمُؤْمِنُ أَحْسَنُ النَّاسِ عَمَلاً وأَشَدُّ الناسِ خَوْفًا، لو أَنْفَقَ جَبَلاًمِن مَالٍ ما أَمِنَ دُونَ أنْ يُعايِِنَ ، لا يَزْدَادُ صَلاحًا وبِرًّا وعِبادَةً إِلاَّ ازْدَادَ خَوْفًا ، يَقُولُ: لا أَنْجُو ، وَالْمُنَافِقُ يقولُ: سَوَادُ النَّاسِ كَثِيرٌ وسَيُغْفَرُ لي ولا بَأْسَ علَيَّ ، فَيُنْسِئُ الْعَملَ ويَتَمَنَّى علَى اللهِ تَعالَى . وقالَ ابْنُ أَدْهَمَ : الْمُوَاسَاةُ مِن أَخْلاقِ المؤمنينَ . وقال: رَحِمَ اللهُ رَجُلاً لَمْ يَغُرّهُ كَثْرَةُ ما يَرى مِن كَثْرَةِ الناسِ، ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ تَموتُ وَحْدَكَ، وتَدْخُلُ الْقَبْرَ وحدَك،وتُبعثُ وحدَك، وتُحاسَبُ وحدَك، ابْنَ آدَمَ، وأنتَ الْمَعْنِيُّ وإِيَّاكَ يُرَادُ. قالَ الأوزاعيُّ: مَن أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ كَفاهُ الْيَسِيرُ، ومَن عَلِمَ أنَّ مَنْطِقَهُ مِن عَمَلِهِ قَلّ كَلامُهُ . قال الرَّبِيعُ : سَمِعْتُ الشافعيَّ مِرَارًا كثيرةً يقولُ: ليسَ العلمُ ما حُفِظَ ، العلمُ ما نَفَعَ قال أبو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ : إنَّ أَحَدَهُمْ لو سَقَطَ منه دِرْهَمٌ لَظَلَّ يَوْمَهُ يقول: إِنَّا للهِ ، ذَهَبَ دِرْهَمِي، ولا يَقُولُ ذَهَبَ يَوْمِي ما عَمِلْتُ فيه . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنه قال: لَأَنْ أَعُولَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شَهْرًا أو جُمُعَةً أو ما شاءَ اللهُ أَحَبَّ إليَّ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةٍ . وقال: رأيتُ الدُّنيا في النَّوْمِ عَجُوزًا حَدْبَاءَ مُشَوَّهَةً تُصَفِّقُ بِيَدَيْهَا، وخَلْفَها خَلْقٌ يَتْبَعُونَها يُصَفِّقُونَ ويَرْقُصُونَ، فَلَمَّا كانتْ بِحِذَائِي أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فقالتْ: لَوْ ظَفَرْتُ بكَ صَنَعْتُ بكَ ما صَنَعْتُ بِهؤلاءِ . قال الفضيلُ بنُ عِياضٍ لابْنِه: يا عَلِيُّ، لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّكَ تُسَاوِي شيئًا، الذُّبَابُ أَطْوَعُ للهِ مِنْكَ ! كانَ سعيدُ بْنُ عبدِ العزيزِ إذا فَاتَتْهُ الصلاةُ في الجماعةِ يَأْخُذُ بِلِحْيَتِهِ ويَبْكِي . كانَ أبو الْجَوْزَاءِ يَقُولُ: لَوْ أنَّ أُنَاسًا مِن فُقَهَائِكموأَغْنِيَائِكُمُ انْطَلَقُوا إلى رجلٍ فَقِيهٍ غَنِيٍّ فَسَألُوهُ كُوزًا مِن ماءٍ أَكانَ يُعْطِيهِم ؟ قالوا : يا أَبا الْجَوْزَاءِ ومَن يَمْنَعُ كُوزًا مِن ماءٍ؟ قال أبو الجوزاءِ: وَاللهِ إِنَّ اللهَ أَجْوَدُ بِجَنَّتِه مِن ذلك الرَّجُلِ بذلكَ الْكُوزِ مِن ماءٍ. وقال بِلالٌ بن سعد: لا تَكُنْ وَلِيًّا للهِ في الْعَلانِيَةِ وعَدُوَّهُ في السِّرِّ. قال جعفرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : إذا بَلَغَكَ عن أَخِيكَ شَيْءٌيَسُوءُكَ فَلاَ تَغْتَمّ ، فإنَّكَ إنْ كُنْتَ كَما يَقُولُ كانتْ عُقُوبةً عُجِّلَتْ ، وإنْ كُنْتَ علَى غَيْرِ ما يَقُولُ كانتْ حَسَنَةً لَمْ تَعْمَلْهَا . وقال ابن أدهم : مُحَالٌ أنْ تُوَالِيَهُ ولا يُوَالِيَكَ . كان طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ إذا ذُكِرَ عندَه الاختلافُ قال: لا تَقُولُوا الاخْتِلاَفَ، ولكنْ قُولُوا : السَّعَة . قال رجلٌ لِلْحَسَنِ : يا أبا سَعِيدٍ: الرَّجُلُ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ، ثمَّ يُذْنِبُ ثم يَتُوبُ، حَتَّى مَتى؟ قال: ما أَعْلَمُ هذا إِلاَّ أَخْلاَقَ الْمُؤْمِنِينَ . قال ابنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: الْعِلمُ خَزائنُ وتَفْتَحُهَا المسائلُ وقال بِلالٌ بن سعد : إذا رأيتَ الرجلَ لَجُوجًا مُمَارِيًا مُعْجَبًا بِرَأْيِه فقدْ تَمَّتْ خَسَارَتُه. وقال: مَنْ نَظَرَ الأشياءِ بِعَيْنِ الْفَناءِ كانتْ رَاحَتُهُ في مُفَارَقَتِهَا ، ولَمْ يَأْخُذْ منها إِلاَّ لِوَقْتِه . وقال يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: كَيْفَ أَمْتَنِعُ بِالذَّنْبِ مِن رَجَائِكَ، ولا أُرَاكَ تَمْتَنِعُ لِلذَّنْبِ مِن عَطائِكَ . ذُكِرَ رَجُلٌ عندَ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ فقال: ما أنا عَن نَفْسِي بِرَاضٍ فَأَتَفَرَّغَ منها إلى آدَمِيٍّ غَيْرِهَا، إنَّ العبادَ خافُوا اللهَ على ذُنُوبِ غَيْرِهم وَأَمِنُوهُ على ذُنُوبِ أَنْفُسِهم ! قال جَعْفَرٌ بن محمد : قال مُوسَى : يا رَبِّ أَسْأَلُكَ أَلاَّ يَذْكُرَنِي أَحَدٌ إِلاَّ بِخَيْرٍ ، قال : ما فَعَلْتُ ذلك لِنَفْسِي ! قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ لِجُلَسَائِهِ: أَخْبِرُونِي بِأَحْمَقِ الناسِ، قالوا: مَن باعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، فقال عُمَرُ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَحْمَقَ منه ؟ قالوا: بَلَى، قال: مَن باعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ ! قال سفيانُ الثوريُّ : إذا تَرَأَّسَ الرجلُ سَرِيعًا أَضَرَّ بِكَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ ، وإذا طَلَبَ وطَلَبَ بَلَغَ. كانَ الإمامُ مالكٌ يَقُولُ لِمَنْ أَتَى يَتَعَلَّمُ منه الْحَدِيثَ : ابْنَ أَخِي ، تَعَلَّمِ الأَدَبَ قَبْلَ أنْ تَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ . رُئِيَ إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ في يَوْمٍ صائِفٍ وعليهِ جُبَّةُ فَرْوٍٍ مَقْلُوبَةٌ، في أَصْلِ سَيْلٍ ، مُسْتَلْقِيًا رَافِعًا رِجْلَيْهِ يقولُ: طَلَبَ الْمُلُوكُ الرَّاحَةَ فَأَخْطَئُوا الطَّرِيقَ . سَأَلَ رَجُلٌ أبا سُلَيْمَانَ عن أَقْرَبِ ما يَتَقَرَّبُ به الْعَبْدُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ، فَبَكَى أبو سُلَيْمَانَ وقال: أَفْضَلُ ما يَتَقَرَّبُ به الْعَبْدُ إلى اللهِ أَنْ يَطَّلِعَ علَى قَلْبِكَ وأَنْتَ لا تُرِيدُ مِنَ الدُّنيا والآخِرَةِ غَيْرَهُ . عنِ الْحَسَنِ البصري قال : ابْنَ آدَمَ، إِنَّما أنتَ أَيَّامٌ، كُلَّما ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ ! قال أبو حَبِيبٍ الْبَدَوِيُّ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مَنْعُ اللهِ عَطاءٌ، وذلك أَنَّه لا يَمْنَعُ مِن بُخْلٍ ولا عُدْمٍ ، إِنَّما مَنْعُهُ نَظَرٌ وَاخْتِبَارٌ . وقال الطّمِسْتَانِيُّ: إِيَّاكَ وَالاغْتِرَارَ بِلَعَلَّ وعَسَى ، وعليكَ بِالْهِمَّةِ، فإِنَّها مُقَدِّمَةُ الأشياءِ وعليها مَدَارُهَا وإليها رُجُوعُهَا . قال إبراهيمُ بْنُ أحمدَ الْخَوَّاصُ : مَنْ لَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَظْفَرْ ، وإِنَّ لإِبْلِيسَ وَثاقَيْنِ ما أَوْثَقَ بَنِي آدَمَ بِأَوْثَقَ منهما : خَوْفَ الْفَقْرِ، والطَّمْعَ . قال الرَّبيعُ: لا يَغُرَّنَّكَ كَثْرَةُ ثَناءِ النَّاسِ مِن نَفْسِكَ فإِنَّهُ خالِصٌ إليكَ عَمَلُكَ . قال الشافعيُّ : ما ناظَرْتُ أحدًا قَطُّ إِلاَّ أَحْبَبْتُ أنْ يُوَفَّقَ ويُسَدَّدَ ويُعَانَ ويكونَ عليه رِعَايَةٌ مِنَ اللهِ وحِفْظٌ ، وما ناظرتُ أحدًا إِلاَّ ولَمْ أُبَالِ بَيَّنَ اللهُ الْحَقَّ على لِسَانِي أو لِسَانِه .
نَظَرَ يَحْيَى يَوْمًا إلى إنسانٍ وهُوَ يُقَبِّلُ وَلَدًا له صَغِيرًا ، فقالَ : أَتُحِبُّهُ ؟ قال: نَعَمْ، قال : هَذا حُبُّكَ له إِذْ وَلَدْتَهُ، فَكَيْفَ بِحُبِّ اللهِ له إِذْ خَلَقَهُ ؟ وقالَ بِشْرٌ الْحَافِي: الْعَجَبُ أنْ تَسْتَكْثِرَ عَمَلَكَ وتَسْتَقِلَّ عَمَلَ النَّاسِ . عن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ قال: هذا الَّذِي تَرَوْنَ كُلُّهُ أو عَامَّتُهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وما بِتُّ مُنْذُ ثلاثينَ سنةً إِلاَّ وأنا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ . قال ذَرٌّ لأبيهِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ: ما بالُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَتكلَّمونَ فلا يَبْكِي أَحَدٌ، فإذا تَكلمتَ يا أَبَتِ سَمِعْتُ الْبُكاَء َمِن هاهنا وهاهنا ؟ فقال: يا بُنَيَّ، لَيْسَتِ النَّائِحَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ كَالنَّائِحَةِ الثَّكْلَى . قال إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ لِشَقِيقٍ الْبَلْخِيِّ : يا شَقِيقُ، لَمْ يَنْبُلْ عندَنا مَن نَبُلَ بِالْحَجِّ ولا بِالْجِهَادِ، وإِنَّما نَبُلَ عندَنا مَن نَبُلَ مَن كان يَعْقِلُ ما يَدْخُلُ جَوْفَهِ مِن حِلِّهِ . وقال وكيع: مَنْ تَهَاوَنَ بِالتَّكْبِيرَةِ الأُولَى فَاغْسِلْ يَدَيْكَ منه ! عن وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ كان يَبْتَدِئُ قَبْلَ أنْ يُحَدِّثَ فَيَقُولُ : ما هناكَ إِلاَّ عَفْوُهُ ، ولا نَعِيشُ إِلاَّ في سِتْرِهِ ، ولو كُشِفَ الْغِطَاءُ انْكَشَفَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ . قال بِشْرٌ الْحَافِي: لا يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ إِلاَّ مَنْ يَصْبِرُ علَى الأَذَى . قال أبو إِدْرِيسٍ الْخَوْلانِيُّ: مَنْ جَعَلَ هُمُومَهُ هَمًّا وَاحِدًا كَفَاهُ اللهُ هُمُومَهُ ، ومَن كان له في كُلِّ يَوْمٍ هَمٌّ لَمْ يُبَالِ اللهُ في أيِّهَا هَلَكَ . قال الشافعي: السَّخَاءُ وَالْكَرَمُ يُغَطِّيَانِ عُيُوبَ الدُّنيا والآخِرَةِ، بَعْدَ أَلاَّ يَلْحَقَهُمَا بِدْعَةٌ . قال عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ : لا خَيْرَ في عِبَادَةٍ لا عِلْمَ فيها، ولا خَيْرَ في عِلْمٍ لا فَهْمَ فيه، ولا خَيْرَ في قراءةٍ لا تَدَبُّرَ فيها . قال أبو حازم: مَنْ عَرَفَ الدُّنيا لَمْ يَفْرَحْ فيها بِرَخَاءٍ ولَمْ يَحْزَنْ علَى بَلْوَى . وقال مَحْفُوظٌ : أَكْثَرُ النَّاسِ خَيْرًا أَسْلَمُهُمْ صَدْرًا لِلْمُسْلِمِينَ . قال الْجُنَيْدُ : أَعْلَى دَرَجَةِ الْكِبْرِ وشَرِّهَا أنْ تَرَى نَفْسَكَ فَوْقَ غَيْرِهَا، وأَدْنَاهَا في الشَّرِّ أنْ تَخْطُرَ بِبَالِكَ! وقال سفيان الثوري : إِنَّما أَرْبَابُ الْعِلْمِ الذين هُمْ أَهْلُه الذينَ يعملون به قال الشافعي: كُلُّ ما قُلْتُ وكان عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ خِلاَفُ قَوْلِي مِمَّا يَصِحُّ، فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أَوْلَى ولاَ تُقَلِّدُونِي قال رجلٌ لِبِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ: عِظْنِي، قال: عَسْكَرُ الْمَوْتَى يَنْتَظِرُونَكَ! عن محمدِ بْنِ سِيرِينَ قال: إِنَّ هَذاالْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ . عنْ جابِرٍ قالَ: قال لي محمدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ : يا جابِرُ بَلَغَنِي أنَّ قَوْمًا بِالْعِرَاقِ يَزْعُمُونَ أَنَّهم يُحِبُّونَنَا وَيَنَالُونَ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، ويَزْعُمُونَ أَنِّي أَمَرْتُهُمْ بِذَلِكَ، فَأَبْلِغْهُمْ أَنِّي إلى اللهِ مِنْهُمْ بَرِيءٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ وُلِّيتُ لَتَقَرَّبْتُ إلى اللهِ تَعالَى بِدِمَائِهِم ، لا نَالَتْنِي شَفاعَةُ محمدٍإِنْ لَمْ أَكُنْ أَسْتَغْفِرُ لهما وأَتَرَحَّمُ عَليهِمَا ، إنَّ أَعْدَاءَ اللهِ لَغَافِلُونَ عنهما ، ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ فَضْلَ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ الله عنهما فَقَدْ جَهِلَ السُّنَّةَ . عن يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قالَ: تَعَلَّمُوا النِّيَّةَ فَإِنَّها أَبْلَغُ مِنَ الْعَمَلِ. وقال سلمة بن دينار : اِعْلَمْ أَنَّكَ إذا مِتَّ لَمْ تُرْفَعِ الأَسْوَاقُ بِمَوْتِكَ ، إِنَّ شَأْنَكَ صَغِيرٌ فَاعْرِفْ نَفْسَكَ . قال أبو الدَّرْدَاءِ: الناسُ ثلاثةٌ: عالمٌ ، ومتعلمٌ ، والثالثُ هَمَجٌ لا خَيْرَ فيه. قال بِشْرٌ الْحَافِي: إنْ لَمْ تَعْمَلْ بِالطَّاعَةِ فَلا تَعْصِ . قال سفيانُ: صَحِبْنَا رَبِيعَ بْنَ خَيْثَمٍ عشرينَ سَنَةً فَما تَكَلَّمَ إِلاَّ بِكَلِمَةٍ صالحةٍ تَصْعَدُ . قالَ أَيُّوبُ: إذا لَمْ يَكُنْ ما تُرِيدُفَأَرِدْ ما يَكُونُ. سُئِلَ الْجُنَيْدُ بْنُ محمدٍ عنْ حَقِيقةِ الشُّكْرِ فقال : أَلاَّ يُسْتَعانَ بِشَيْءٍ مِن نِعَمِهِ علَى مَعاصِيه . قال أبو سعيدٍ الْخَزَّازُ : كلُّ ما فاتَكَ مِنَ اللهِ سِوَى اللهِ يَسِيرٌ، وكلُّ حَظٍّ لك سِوَى اللهِ قليلٌ . قال أبو الدرداء: لا تُكَلِّفُوا الناسَ ما لَمْ يُكَلَّفُوا، ولا تُحَاسِبُوا النَّاسَ دُونَ رَبِّهِم، ابْنَ آدَمَ، عَلَيْكَ نَفْسَكَ، فإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ ما يَرَى في الناسِ يَطُولُ حُزْنُهُ ولا يَشْفِ غَيْظَهُ . وقال : لِكُلِّ شَيْءٍ أَسَاسٌ، وأَساسُ الإسلامِ الْخُلُقُ الْحَسَنُ . قال حاتمٌ الأَصَمُّ: مَثَلُ الدُّنيا كَمَثَلِ ظِلِّكَ ، إِنْ طَلَبْتَهُ تَبَاعَدَ وإنْ تَرَكْتَهُ تَتَابَعَ . قال مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ: إذا أَرادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتَحَ عليه بابَ الْعَمَلِ وأَغْلَق عنه بابَ الْجَدَلِ، وإذا أرادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَغْلَقَ عليه بابَ الْعَمَلِ وفَتَحَ عليه بابَ الْجَدَلِ . قال عبدُ الرحمنِ بْنُ مَهْدِيِّ لِبِشْرٍ: إِنَّا لَنَجْلِسُ مَجْلِسَ خَيْرٍ وبَرَكَةٍ، فقال: نِعْمَ الْمَجْلِسُ ، فقال عبدُ الرحمنِ: إنَّه رُبَّمَا لَمْ يُجْلَسْ إليَّ فَكُنْتُ أَغْتَمُّ، فقالَ: إنْ كُنْتَ تَشْتَهِي أنْ يُجْلَسَ إليكَ اتْرُكْ هذا الْمَجْلِسَ . قال حَبِيبٌ: لا تَقْعُدُوا فُرَّاغًا فإِنَّ الْمَوْتَ يَلِيكُمْ. وكَتَبَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى عمرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ يُعَزِّيهِ علَى ابْنِهِ؛ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّا قَوْمٌ مِن أَهْلِ الآخِرَةِ أُسْكِنَّا الدُّنيا، أَمْوَاتٌ أَبْنَاءُ أَمْوَاتٍ، وَالْعَجَبُ لِمَيِّتٍ يَكْتُبُ إلى مَيِّتٍ يُعَزِّيهِ عَنْ مَيِّتٍ. وَالسَّلامُ ! وقال ابن مسعود : لاَ يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلاً، فَإِنْ آمَنَ آمَنَ، وإِنْ كَفَرَ كَفَرَ، فإنْ كُنْتُمْ لاَبُدََّ مُقْتَدِينَ فَاقْتَدُوا بِالْمَيِّتِ، فإِنَّ الْحَيَّ لا تُؤْمَنُ عليه الْفِتْنَةُ. قال مالكُ بنُ دِينَارٍ: رأيتُ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ في مَنامِي بعدَ مَوْتِه بِسَنَةٍ، فَسَلَّمْتُ عليه فَلَمْ يَرُدّ عَليَّ السَّلامَ، فقلتُ: لِمَ لا تَرُدّ عليَّ السَّلامَ؟ قال: أنا مَيِّتٌ فَكَيْفَ أَرُدُّ السَّلامَ، فقلتُ: ماذا لَقِيتَ يَوْم الْمَوْتِ ؟ قال: قد لَقِيتُ أَهْوَالاً وزَلاَزِلَ عِظَامًا شِدَادًا، قلتُ: وماذا كانَ بَعْدَ ذلكَ؟ قال: وما تُرَاهُ يكونُ مِنَ الْكَرِيمِ! قَبِلَ مِنَّا الْحَسَناتِ، وعَفا لنا عَنِ السَّيِّئَاتِ، وضَمِنَ عَنَّا التَّبِعَاتِ . عنْ حَيْلاَنَ بْنِ فَرْوَةَ أنَّ مُوسَى عليه السَّلامُ قال: إِلَهِي كيفَ أَشْكُرُكَ، وأَصْغَرُ نِعْمَةٍ وَضَعْتَها عِنْدِي مِن نِعَمِكَ لا يُجَازِي ِبَها عَمَلِي كُلُّه ؟ فَأَوْحَى اللهُ إليه: يا مُوسَى، الآنَ شَكَرْتَنِي ! وقال علي رَضِيَ اللهُ عنه: أَلاَ إِنَّ الْفَقِيهَ كُلَّ الْفِقْهِ الَّذِي لا يُقَنِّطُ الناسَ مِن رَحْمَةِ اللهِ، ولا يُؤَمِّنُهم مِن عذابِ اللهِ، ولا يُرَخِّصُ لهم في مَعاصِي اللهِ، ولا يَدَعُ القرآنَ رَغْبَةً عنه إلى غَيْرِهِ. قِيلَ لِسُفْيَانَ : ما تَرَى فِيمَنْ كَسَبَ ثَلاثينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِن غَيْرِ حَقِّهَا وقال: أَقْعُدُ أُسَبِّحُ وأَحْمَدُ وأُكَبِّرُ حتَّى أَعْمَلَ مِنَ الْحَسناتِ بِعَدَدِ هذه ؟ فقال سفيانُ: فَلْيَرُدَّها قَبْلُ ؛ فإِنَّهُ لا يُقْبَلُ له ذِكْرٌ إِلاَّ بِرَدِّهَا . وقال سفيان بْنُعُيَيْنَةَ: مَنْ رَأَى أَنَّه خَيْرٌ مِن غَيْرِهِ فَقَدِ اسْتَكْْبَرَ، وذَاكَ أنَّ إِبْلِيسَ إِنَّما مَنَعَهُ مِنَ السُّجُودِ لآدَمَ عليه السَّلامُ اسْتِكْبَارُهُ . رَوَى عبدُ الرحمنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قال: كانَ أبي يقولُ: أَيْ بُنَيَّ، وكيفَ تُعْجِبُكَ نَفْسُكَ وأنتَ لا تَشاءُ أنْ تَرَى مِن عِبَادِ اللهِ مَن هوَ خَيْرٌ مِنْكَ إِلاَّ رَأَيْتَهُ ؟ يا بُنَيَّ لا تَرَى أَنَّكَ خَيْرٌ مِن أَحَدٍ يَقُولُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ حتَّى تَدْخُلَ الْجنةَ ويَدْخُلَ النارَ ، فإذا دخلتَ الجنةَ ودخلَ النارَ تَبَيَّنَ لكَ أَنَّكَ خيرٌ منه . قال الحارثُ بْنُ أَسَدٍ الْمُحَاسَبَيُّ: لا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أنْ يَطْلُبَ الْوَرَعَ بِتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ . وقال: علَى قَدْرِ إِعْزَازِ الْمُؤْمِنِ لأَمْرِ اللهِ يُلْبِسُهُ اللهُ مِن عِزِّهِ ويُقِيمُ له الْعِزَّ في قُلوبِ المؤمنينَ، فَذَلِكَ قَوْلُه تَعالَى ( وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) سُئِلَ ذُو النُّونِ: ما لنا لا نَقْوَى علَى النَّوافِلِ ؟ قال: لأَنَّكُم لا تُصِحُّونَ الْفَرائِضَ . عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه قال: لَمَّا ضُرِبَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ فَوَضَعَهُ علَى عَيْنَيْهِ وقال: أَنْتَ ثَمَرَةُ قَلْبِي وقُرَّةُ عَيْنِي ، بِكَ أُطْغِي وبِكَ أُكَفِّرُ وبِكَ أُدْخِلُ النَّارَ ، رَضِيتُ مِن ابْنِ آدَمَ بِحُبِّ الدُّنيا أَنْ يَعْبُدَكَ ! قال الشافعيُّ: اللَّبِيبُ الْعاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ . قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: إِنَّما جُعِلَتِ الْعِلَلُ لِيُؤَدَّبَ بها الْعِبَادُ، ليس كُلُّ مَن مَرِضَ ماتَ ! قال مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ ؛ فإنَّ تَعَلُّمَهُ للهِ خَشْيَةٌ، وطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، ومُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عنه جِهَادٌ ، وتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لا يَعْلَمُه صَدَقَةٌ، وبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ، لأَنَّهُ مَعالِمُ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ، ومَنَارُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، والأُنْسُ في الْوَحْشَةِ، وَالصَّاحِبُ في الْغُرْبَةِ ، وَالْمُحَدِّثُ في الْخَلْوَةِ، والدَّلِيلُ علَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالسِّلاَحُ على الأَعْدَاءِ، وَالدِّينُ عِنْدَ الأَجِلاَّءِ، يَرْفَعُ اللهُ به أَقْوَامًا ويَجْعَلُهم في الخيرِ قَادةً وأَئِمَّةً، تُقْتَبَسُ آثَارُهُمْ ، ويُقْتَدَى بِفِعَالِهم، ويُنْتَهَى إلى رَأْيِهِم، تَرْغَبُ الملائكةُ في خُلَّتِهم، وبِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهم، يَسْتَغْفِرُ لهم كلُّ رَطْبٍ ويابِسٍ، حَتَّى الْحِيتَانُ في الْبَحْرِ وهَوَامُّهُ ، وسِبَاعُ الطَّيْرِ وأَنْعَامُهُ، لأَنَّ الْعِلْمَ حَياةُ الْقُلُوبِ مِنَ الْجَهْلِ، ومِصْبَاحُ الأبصارِ مِنَ الظُّلَمِ ، يُبْلَغُ بِالْعِلْمِ مَنازِلَ الأَخْيَارِ، وَالدَّرَجَةَ الْعُلْيَا في الدُّنيا والآخرةِ، وَالتَّفَكُّرُ فيه يُعْدَلُ بِالصِّيَام ،ومُدَارَسُتُه بِالْقِيَامِ ، بهِ تُوصَلُ الأرحامُ، ويُعْرَفُ الحلالُ مِنَ الحرامِ ، إِمَامُ الْعُمَّالِ وَالْعَمَلُ تَابِعُهُ، يًُلْهَمُهُ السُّعَدَاءُ، ويُحْرَمُهُ الأَشْقِيَاءُ كانَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لا يُمَاكِسُ في كُلِّ شَيْءٍ يَتَقَرَّبُ به إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ،فكان لا يُمَاكِسُ في ثَلاثٍ: في الأُجْرَةِ إلى مَكَّةَ، وفي الرَّقَبَةِ يَشْتَرِيها لِلْعِتْقِ ، وفي الأُضْحِيَّةِ . سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ: هَلْ كانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُونَ ؟ قال: نَعَمْ، والإيمانُ في قُلُوبِهم أَعْظَمُ مِنَ الْجِبَالِ . قال ابْنُ سِيرِينَ: إِنِّي لأَعْرِفُ الذَّنْبَ الذِي حُمِلَ عَلَيَّ به الدَّيْنُ ما هو ؛ قُلْتُ لِرَجُلٍ مِن أَرْبَعِينَ سنةً يَا مُفْلِسُ!فَلَمَّا سَمِعَ أبو سليمانَ الدَّارَانِيُّ ذلكَ قال: قَلَّتْ ذُنُوبُهم فَعَرَفُوا مِن أَيْنَ يُؤْتَوْنَ ، وكَثُرَتْ ذُنُوبُنَا وذُنُوبُكَ فَلَيْسَ نَدْرِي مِن أينَ نُؤْتَى . وقال : إذا رَأَيْتَ رَبَّكَ يُتَابِعُ نِعَمَهُ عليكَ وأنتَ تَعْصِيهِ، فَاحْذَرْهُ . كان أبو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ بْنُ محمدٍ كثيرًا ما يقولُ: عِلْمُنَا مَضْبُوطٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، مَنْ لَمْ يَحْفَظِ القرآنَ ولَمْ يَكْتُبِ الْحَدِيثَ ولَمْ يَتَفَقَّهْ لا يُقْتَدَى به . وقال سفيان الثوري : ما ضَرَّهُمْ ما أَصَابَهُمْ في الدُّنْيَا، جَبَرَ اللهُ لهم كُلََّ مُصِيبَةٍ بِالْجَنَّةِ . قال إبراهيمُ بنُ أدهمَ: لَمْ يَصْدُقِ اللهََ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ . قيل لِسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: مَن أَعْبَدُ الناسِ ؟ قال: رجلٌ اجْتَرَحَ مِنَ الذُّنوبِ فَكُلَّما ذَكَرَ ذُنُوبَهُ احْتَقَرَ عَمَلَهُ . قال أبو حازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ: كُلُّ نِعْمَةٍ لا تُقَرِّبُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ فَهِيَ بَلِيَّةٌ. كان القلانسيُّ يقولُ: بِنَاءُ مَذْهَبِنَا علَى شَرَائِطَ ثَلاثٍ: لا نُطَالِبُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بِوَاجِبِ حَقِّنَا، ونُطَالِبُ أَنْفُسَنا بِحُقُوقِ الناسِ ، ونُلْزِمُ أَنْفُسَنا التَّقْصِيرَ في جميعِ ما نَأْتِي به . قال سفيان الثوري: إِنَّما الْعِلْمُ عندَنا الرُّخَصُ عَنِ الثِّقَةِ، فأَمَّا التَّشْدِيدُ فَكُلُّ إنسانٍ يُحْسِنُهُ ! قال أبو الدرداءِ: كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ للهِ تَعالَى في عِرْقٍ ساكِنٍ . قال إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ لِشَقِيقٍ الْبَلْخِيِّ : يا شَقِيقُ ، لَمْ يَنْبُلْ عندَنا مَن نَبُلَ بِالْحَجِّ ولا بِالْجِهَادِ، وإِنَّما نَبُلَ عندَنا مَن نَبُلَ مَن كان يَعْقِلُ ما يَدْخُلُ جَوْفَهِ مِن حِلِّهِ . كَتَبَ الحسنُ الْبَصْرِيُّ إلى أميرِ المؤمنينَ عُمَرَ بْنِ عبدِ العزيزِ: أَمَّا بَعْدُ، فإنَّ الدنيا دارُ ظَعْنٍ ليستْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، وإِنَّما أُنْزِلَ إليها آدمُ عُقُوبَةً ، فَاحْذَرْهَا يا أَمِيرَ المؤمنينَ، فإنَّ الزَّادَ منها تَرْكُها، وَالْغِنَى فيها فَقْرُهَا، لَها في كلِّ حِينٍ قَتِيلٌ، تُذِلُّ مَن أَعَزَّهَا، وتُفْقِرُ مَن جَمَعها، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُه مَن لا يَعْرِفُهُ وهُوَ حَتْفُهُ، فَكُنْ فيها كَالْمُدَاوِي لِجِرَاحَتِهِ، يَحْتَمِي قَلِيلاً مَخافَةَ ما يَكْرَهُ طَوِيلاً، ويَصْبِرُ على شِدَّةِ الأَذَى مَخافَةَ طُولِ الْبَلاءِ، وَاحْذَرْ هذه الدَّارَ الْغَرَّارَةَ التي قد زَيَّنَتْ بِخُدَعِهَا، وتَحَلَّتْ بِآمَالِهَا، وتَشَوَّفَتْ لِخُطَّابِهَا، وفَتَنَتْ بِغُرُورِهَا، فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمُحَلاَّةِ، الْعُيُونُ إليها ناظِرَةٌ، وَالْقُلُوبُ إليها وَالِهَةٌ، وَالنُّفُوسُ لها عاشِقَةٌ، وهِيَ لِأَزْوَاجِها كُلِّهم قاتِلَةٌ ! فَلا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ، ولا الآخِرُ علَى الأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ، ولا الْعَارِفُ بِاللهِ حِينَ أَخْبَرَهُ عنها مُدَّكِرٌ. ذُكِرَ عِنْدَ الإمامِ أَحْمَدَ يَوْمًا رَجُلٌ ، فقالَ : يا بُنَيَّ الْفَائِزُ مَن فازَ غَدًا ولَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عندَه تَبِعَةٌ . قِيلَ لِحَمْدُونَ بْنِ أحمدَ: ما بَالُ كَلامِ السَّلَفِ أَنْفَعُ مِن كَلامِنَا ؟ قال: لأَنَّهم تَكَلَّمُوا لِعِزِّ الإسلامِ ونَجاةِ النُّفُوسِ ورِضَاءِ الرحمنِ ، ونحنُ نَتَكَلَّمُ لِعِزِّ النَّفْسِ وطَلَبِ الدُّنيا وقَبُولِ الْخَلْقِ . قال محمدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ لأحمدَ بْنِ حَنْبَلَ : يا أبا عَبْدِ اللهِ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فإذا صَحَّ عندَكُمُ الْحَدِيثُ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فَأَخْبِرُونَا به حَتَّى نَرْجِعَ إليه . وقال: الْفَاجِرُ الرَّاجِي لِرَحْمَةِ اللهِ أَقْرَبُ إلى اللهِ مِنَ الْعَابِدِ الذي يَرَى أَنَّهُ لا يَنالُ ما عِنْدَ اللهِ إِلاَّ بِعَمَلِهِ . وقال: الْمُؤْمِنُ أَحْسَنُ النَّاسِ عَمَلاً وأَشَدُّ الناسِ خَوْفًا، لو أَنْفَقَ جَبَلاًمِن مَالٍ ما أَمِنَ دُونَ أنْ يُعايِِنَ ، لا يَزْدَادُ صَلاحًا وبِرًّا وعِبادَةً إِلاَّ ازْدَادَ خَوْفًا ، يَقُولُ: لا أَنْجُو ، وَالْمُنَافِقُ يقولُ: سَوَادُ النَّاسِ كَثِيرٌ وسَيُغْفَرُ لي ولا بَأْسَ علَيَّ ، فَيُنْسِئُ الْعَملَ ويَتَمَنَّى علَى اللهِ تَعالَى . وقالَ ابْنُ أَدْهَمَ : الْمُوَاسَاةُ مِن أَخْلاقِ المؤمنينَ . وقال: رَحِمَ اللهُ رَجُلاً لَمْ يَغُرّهُ كَثْرَةُ ما يَرى مِن كَثْرَةِ الناسِ، ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ تَموتُ وَحْدَكَ، وتَدْخُلُ الْقَبْرَ وحدَك،وتُبعثُ وحدَك، وتُحاسَبُ وحدَك، ابْنَ آدَمَ، وأنتَ الْمَعْنِيُّ وإِيَّاكَ يُرَادُ. قالَ الأوزاعيُّ: مَن أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ كَفاهُ الْيَسِيرُ، ومَن عَلِمَ أنَّ مَنْطِقَهُ مِن عَمَلِهِ قَلّ كَلامُهُ . قال الرَّبِيعُ : سَمِعْتُ الشافعيَّ مِرَارًا كثيرةً يقولُ: ليسَ العلمُ ما حُفِظَ ، العلمُ ما نَفَعَ قال أبو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ : إنَّ أَحَدَهُمْ لو سَقَطَ منه دِرْهَمٌ لَظَلَّ يَوْمَهُ يقول: إِنَّا للهِ ، ذَهَبَ دِرْهَمِي، ولا يَقُولُ ذَهَبَ يَوْمِي ما عَمِلْتُ فيه . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنه قال: لَأَنْ أَعُولَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شَهْرًا أو جُمُعَةً أو ما شاءَ اللهُ أَحَبَّ إليَّ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةٍ . وقال: رأيتُ الدُّنيا في النَّوْمِ عَجُوزًا حَدْبَاءَ مُشَوَّهَةً تُصَفِّقُ بِيَدَيْهَا، وخَلْفَها خَلْقٌ يَتْبَعُونَها يُصَفِّقُونَ ويَرْقُصُونَ، فَلَمَّا كانتْ بِحِذَائِي أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فقالتْ: لَوْ ظَفَرْتُ بكَ صَنَعْتُ بكَ ما صَنَعْتُ بِهؤلاءِ . قال الفضيلُ بنُ عِياضٍ لابْنِه: يا عَلِيُّ، لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّكَ تُسَاوِي شيئًا، الذُّبَابُ أَطْوَعُ للهِ مِنْكَ ! كانَ سعيدُ بْنُ عبدِ العزيزِ إذا فَاتَتْهُ الصلاةُ في الجماعةِ يَأْخُذُ بِلِحْيَتِهِ ويَبْكِي . كانَ أبو الْجَوْزَاءِ يَقُولُ: لَوْ أنَّ أُنَاسًا مِن فُقَهَائِكموأَغْنِيَائِكُمُ انْطَلَقُوا إلى رجلٍ فَقِيهٍ غَنِيٍّ فَسَألُوهُ كُوزًا مِن ماءٍ أَكانَ يُعْطِيهِم ؟ قالوا : يا أَبا الْجَوْزَاءِ ومَن يَمْنَعُ كُوزًا مِن ماءٍ؟ قال أبو الجوزاءِ: وَاللهِ إِنَّ اللهَ أَجْوَدُ بِجَنَّتِه مِن ذلك الرَّجُلِ بذلكَ الْكُوزِ مِن ماءٍ. وقال بِلالٌ بن سعد: لا تَكُنْ وَلِيًّا للهِ في الْعَلانِيَةِ وعَدُوَّهُ في السِّرِّ. قال جعفرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : إذا بَلَغَكَ عن أَخِيكَ شَيْءٌيَسُوءُكَ فَلاَ تَغْتَمّ ، فإنَّكَ إنْ كُنْتَ كَما يَقُولُ كانتْ عُقُوبةً عُجِّلَتْ ، وإنْ كُنْتَ علَى غَيْرِ ما يَقُولُ كانتْ حَسَنَةً لَمْ تَعْمَلْهَا . وقال ابن أدهم : مُحَالٌ أنْ تُوَالِيَهُ ولا يُوَالِيَكَ . كان طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ إذا ذُكِرَ عندَه الاختلافُ قال: لا تَقُولُوا الاخْتِلاَفَ، ولكنْ قُولُوا : السَّعَة . قال رجلٌ لِلْحَسَنِ : يا أبا سَعِيدٍ: الرَّجُلُ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ، ثمَّ يُذْنِبُ ثم يَتُوبُ، حَتَّى مَتى؟ قال: ما أَعْلَمُ هذا إِلاَّ أَخْلاَقَ الْمُؤْمِنِينَ . قال ابنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: الْعِلمُ خَزائنُ وتَفْتَحُهَا المسائلُ وقال بِلالٌ بن سعد : إذا رأيتَ الرجلَ لَجُوجًا مُمَارِيًا مُعْجَبًا بِرَأْيِه فقدْ تَمَّتْ خَسَارَتُه. وقال: مَنْ نَظَرَ الأشياءِ بِعَيْنِ الْفَناءِ كانتْ رَاحَتُهُ في مُفَارَقَتِهَا ، ولَمْ يَأْخُذْ منها إِلاَّ لِوَقْتِه . وقال يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: كَيْفَ أَمْتَنِعُ بِالذَّنْبِ مِن رَجَائِكَ، ولا أُرَاكَ تَمْتَنِعُ لِلذَّنْبِ مِن عَطائِكَ . ذُكِرَ رَجُلٌ عندَ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ فقال: ما أنا عَن نَفْسِي بِرَاضٍ فَأَتَفَرَّغَ منها إلى آدَمِيٍّ غَيْرِهَا، إنَّ العبادَ خافُوا اللهَ على ذُنُوبِ غَيْرِهم وَأَمِنُوهُ على ذُنُوبِ أَنْفُسِهم ! قال جَعْفَرٌ بن محمد : قال مُوسَى : يا رَبِّ أَسْأَلُكَ أَلاَّ يَذْكُرَنِي أَحَدٌ إِلاَّ بِخَيْرٍ ، قال : ما فَعَلْتُ ذلك لِنَفْسِي ! قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ لِجُلَسَائِهِ: أَخْبِرُونِي بِأَحْمَقِ الناسِ، قالوا: مَن باعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، فقال عُمَرُ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَحْمَقَ منه ؟ قالوا: بَلَى، قال: مَن باعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ ! قال سفيانُ الثوريُّ : إذا تَرَأَّسَ الرجلُ سَرِيعًا أَضَرَّ بِكَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ ، وإذا طَلَبَ وطَلَبَ بَلَغَ. كانَ الإمامُ مالكٌ يَقُولُ لِمَنْ أَتَى يَتَعَلَّمُ منه الْحَدِيثَ : ابْنَ أَخِي ، تَعَلَّمِ الأَدَبَ قَبْلَ أنْ تَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ . رُئِيَ إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ في يَوْمٍ صائِفٍ وعليهِ جُبَّةُ فَرْوٍٍ مَقْلُوبَةٌ، في أَصْلِ سَيْلٍ ، مُسْتَلْقِيًا رَافِعًا رِجْلَيْهِ يقولُ: طَلَبَ الْمُلُوكُ الرَّاحَةَ فَأَخْطَئُوا الطَّرِيقَ . سَأَلَ رَجُلٌ أبا سُلَيْمَانَ عن أَقْرَبِ ما يَتَقَرَّبُ به الْعَبْدُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ، فَبَكَى أبو سُلَيْمَانَ وقال: أَفْضَلُ ما يَتَقَرَّبُ به الْعَبْدُ إلى اللهِ أَنْ يَطَّلِعَ علَى قَلْبِكَ وأَنْتَ لا تُرِيدُ مِنَ الدُّنيا والآخِرَةِ غَيْرَهُ . عنِ الْحَسَنِ البصري قال : ابْنَ آدَمَ، إِنَّما أنتَ أَيَّامٌ، كُلَّما ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ ! قال أبو حَبِيبٍ الْبَدَوِيُّ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مَنْعُ اللهِ عَطاءٌ، وذلك أَنَّه لا يَمْنَعُ مِن بُخْلٍ ولا عُدْمٍ ، إِنَّما مَنْعُهُ نَظَرٌ وَاخْتِبَارٌ . وقال الطّمِسْتَانِيُّ: إِيَّاكَ وَالاغْتِرَارَ بِلَعَلَّ وعَسَى ، وعليكَ بِالْهِمَّةِ، فإِنَّها مُقَدِّمَةُ الأشياءِ وعليها مَدَارُهَا وإليها رُجُوعُهَا . قال إبراهيمُ بْنُ أحمدَ الْخَوَّاصُ : مَنْ لَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَظْفَرْ ، وإِنَّ لإِبْلِيسَ وَثاقَيْنِ ما أَوْثَقَ بَنِي آدَمَ بِأَوْثَقَ منهما : خَوْفَ الْفَقْرِ، والطَّمْعَ . قال الرَّبيعُ: لا يَغُرَّنَّكَ كَثْرَةُ ثَناءِ النَّاسِ مِن نَفْسِكَ فإِنَّهُ خالِصٌ إليكَ عَمَلُكَ . قال الشافعيُّ : ما ناظَرْتُ أحدًا قَطُّ إِلاَّ أَحْبَبْتُ أنْ يُوَفَّقَ ويُسَدَّدَ ويُعَانَ ويكونَ عليه رِعَايَةٌ مِنَ اللهِ وحِفْظٌ ، وما ناظرتُ أحدًا إِلاَّ ولَمْ أُبَالِ بَيَّنَ اللهُ الْحَقَّ على لِسَانِي أو لِسَانِه . 
