وقالَ ابْنُ أَدْهَمَ : الْمُوَاسَاةُ مِن أَخْلاقِ المؤمنينَ . وقال سفيان بْنُعُيَيْنَةَ: مَنْ رَأَى أَنَّه خَيْرٌ مِن غَيْرِهِ فَقَدِ اسْتَكْْبَرَ، وذَاكَ أنَّ إِبْلِيسَ إِنَّما مَنَعَهُ مِنَ السُّجُودِ لآدَمَ عليه السَّلامُ اسْتِكْبَارُهُ . قال أحمدُ بنُ أبي الْحَوَارِيِّ: إذا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بِتَرْكِ الدُّنيا عندَ إِدْبَارِهَا فهو خُدْعَةٌ، وإذا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بِتَرْكِهَا عندَ إِقْبَالِهَا فَذَاكَ . قال الحارثُ بْنُ أَسَدٍ الْمُحَاسَبَيُّ: لا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أنْ يَطْلُبَ الْوَرَعَ بِتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ . قال حيلان بن فروة : إذا فُتِحَ لِأَحَدِكم بابُ خَيْرٍ فَلْيُسْرِعْ إليه فإِنَّهُ لا يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ عنه . وقال : إذا رَأَيْتَ رَبَّكَ يُتَابِعُ نِعَمَهُ عليكَ وأنتَ تَعْصِيهِ، فَاحْذَرْهُ . قال إبراهيمُ بْنُ أَدْهَمَ لِشَقِيقٍ الْبَلْخِيِّ : يا شَقِيقُ ، لَمْ يَنْبُلْ عندَنا مَن نَبُلَ بِالْحَجِّ ولا بِالْجِهَادِ، وإِنَّما نَبُلَ عندَنا مَن نَبُلَ مَن كان يَعْقِلُ ما يَدْخُلُ جَوْفَهِ مِن حِلِّهِ . وقال: رَحِمَ اللهُ رَجُلاً لَمْ يَغُرّهُ كَثْرَةُ ما يَرى مِن كَثْرَةِ الناسِ، ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ تَموتُ وَحْدَكَ، وتَدْخُلُ الْقَبْرَ وحدَك،وتُبعثُ وحدَك، وتُحاسَبُ وحدَك، ابْنَ آدَمَ، وأنتَ الْمَعْنِيُّ وإِيَّاكَ يُرَادُ. قال أبو حازم: مَنْ عَرَفَ الدُّنيا لَمْ يَفْرَحْ فيها بِرَخَاءٍ ولَمْ يَحْزَنْ علَى بَلْوَى . قال ضِرَارٌ : يقول إِبْلِيسُ: إِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِن ابْنِ آدَمَ ثَلاثًا أَصَبْتُ منه حَاجَتِي: إذا نَسِيَ ذُنُوبَهُ، وإذا اسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ ، وإذا أُعْجِبَ بِرَأْيِه . قال عبدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ : ليسَ الْعِلْمُ بِالرِّوَايَةِ، ولكنَّ الْعِلْمَ بِالْخَشْيَةِ. تَسَفَّهَ رجلٌ على حَمْدُونَ، فَسَكَتَ حَمْدُونُ وقالَ : يا أَخِي لَوْ نَقَصْتَنِي كُلَّ نَقْصٍ لَمْ تُنْقِصْنِي كَنَقْْصِي عِنْدِي ، ثُمَّ قالَ : تَسَفَّهَ رجلٌ على إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ فَاحْتَمَلَهُ وقال: لِأَيِّ شيءٍ تَعَلَّمْنَا الْعِلْمَ ؟! قال شَقِيقٌ الْبَلْخِيُّ: مَيِّزْ بَيْنَ مَن تُعْطِيهِ ويُعْطِيكَ، فإِنْ كان مَن يُعْطِيكَ أَحَبَّ إليك فأَنْتَ مُحِبٌّ للدنيا، وإِنْ كان مَن تُعْطِيهِ أَحَبَّ إليكَ فأنتَ مُحِبٌّ للآخرةِ . قال مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ: إذا أَرادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتَحَ عليه بابَ الْعَمَلِ وأَغْلَق عنه بابَ الْجَدَلِ، وإذا أرادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَغْلَقَ عليه بابَ الْعَمَلِ وفَتَحَ عليه بابَ الْجَدَلِ . قال أبو الدرداءِ: كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ للهِ تَعالَى في عِرْقٍ ساكِنٍ . قال أبو الدرداء: حَذَرُ امْرِئٍ أَنْ تُبْغِضَهُ قُلُوبُ المؤمنينَ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُ ، وذلك أنَّ الْعَبْدَ يَخْلُو بِمَعاصِي اللهِ عزَّ وجلَّ فَيُلْقِي اللهُ بُغْضَهُ في قُلُوبِ المؤمنينَ مِن حيثُ لا يَشْعُرُ . وقالَ بشر الحافي : اُكْتُمْ حَسَناتِكَ كَما تَكْتُمُ سَيِّئَاتِكَ . قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ لِجُلَسَائِهِ: أَخْبِرُونِي بِأَحْمَقِ الناسِ، قالوا: مَن باعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، فقال عُمَرُ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَحْمَقَ منه ؟ قالوا: بَلَى، قال: مَن باعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ ! قال ابنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: كُنَّا نأتي العالِمَ، فَما نتعلمُ منْ أَدَبهِ أَحَبُّ إلينا مِن علمه . وقال ابن أدهم : مُحَالٌ أنْ تُوَالِيَهُ ولا يُوَالِيَكَ . كان أبو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ بْنُ محمدٍ كثيرًا ما يقولُ: عِلْمُنَا مَضْبُوطٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، مَنْ لَمْ يَحْفَظِ القرآنَ ولَمْ يَكْتُبِ الْحَدِيثَ ولَمْ يَتَفَقَّهْ لا يُقْتَدَى به . عن بكرِ بْنِ عبدِاللهِ قال: إنَّ اللهَ لَيُجْرِعُ عَبْدَهُ المؤمنَ مِنَ الْمَرَارَةِ لِمَا يُرِيدُ به مِن صَلاحِ عاقِبَةِ أَمْرِهِ . قال بكرٌ : أَمَا رَأَيْتُمُ الْمَرْأَةَ تَسْقِي وَلَدَها الصَّبْرَ تُرِيدُ به عافِيَتَهُ ؟ قال مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ ؛ فإنَّ تَعَلُّمَهُ للهِ خَشْيَةٌ، وطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، ومُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عنه جِهَادٌ ، وتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لا يَعْلَمُه صَدَقَةٌ، وبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ، لأَنَّهُ مَعالِمُ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ، ومَنَارُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، والأُنْسُ في الْوَحْشَةِ، وَالصَّاحِبُ في الْغُرْبَةِ ، وَالْمُحَدِّثُ في الْخَلْوَةِ، والدَّلِيلُ علَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالسِّلاَحُ على الأَعْدَاءِ، وَالدِّينُ عِنْدَ الأَجِلاَّءِ، يَرْفَعُ اللهُ به أَقْوَامًا ويَجْعَلُهم في الخيرِ قَادةً وأَئِمَّةً، تُقْتَبَسُ آثَارُهُمْ ، ويُقْتَدَى بِفِعَالِهم، ويُنْتَهَى إلى رَأْيِهِم، تَرْغَبُ الملائكةُ في خُلَّتِهم، وبِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهم، يَسْتَغْفِرُ لهم كلُّ رَطْبٍ ويابِسٍ، حَتَّى الْحِيتَانُ في الْبَحْرِ وهَوَامُّهُ ، وسِبَاعُ الطَّيْرِ وأَنْعَامُهُ، لأَنَّ الْعِلْمَ حَياةُ الْقُلُوبِ مِنَ الْجَهْلِ، ومِصْبَاحُ الأبصارِ مِنَ الظُّلَمِ ، يُبْلَغُ بِالْعِلْمِ مَنازِلَ الأَخْيَارِ، وَالدَّرَجَةَ الْعُلْيَا في الدُّنيا والآخرةِ، وَالتَّفَكُّرُ فيه يُعْدَلُ بِالصِّيَام ،ومُدَارَسُتُه بِالْقِيَامِ ، بهِ تُوصَلُ الأرحامُ، ويُعْرَفُ الحلالُ مِنَ الحرامِ ، إِمَامُ الْعُمَّالِ وَالْعَمَلُ تَابِعُهُ، يًُلْهَمُهُ السُّعَدَاءُ، ويُحْرَمُهُ الأَشْقِيَاءُ قال سفيان الثوري: ليس طَلَبُ العلمِ فُلانٌ عن فلانٍ، إنَّما طَلَبُ العلمِ الْخَشْيَةُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ وقالسفيان بْنُعُيَيْنَةَ: كان يُقَالُ: أنْ يَكُونَ لكَ عَدُوٌّ صالِحٌ خَيْرٌ مِن أنْ يكونَ لكَ صَدِيقٌ فاسِدٌ ؛ لأَنَّ الْعَدُوَّ الصَّالِحَ يَحْجِزُهُ إِيمَانُهُ أنْ يُؤْذِيَكَ أو يَنَالَكَ بِمَا تَكْرَهُ، وَالصَّدِيقُ الْفَاسِدُ لا يُبَالِي ما نالَ مِنْكَ . عن حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قال: قال لنا أَيُّوبُ: إِنَّكَ لا تُبْصِرُ خَطَأَ مُعَلِّمِكَ حتَّى تُجَالِسَ غَيْرَه، جالِسِ النَّاسَ . وقال بِلاَلُ بْنُ سَعْدٍ : لا تَنْظُرْ إلى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ ولَكِنِ انْظُرْ إلى مَن عَصَيْتَ . قالَ إبراهيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ: إنَّ الدُّنيا لا تَسُرُّ بِقَدْرِ ما تَضُرُّ ، إنَّها تَسُرُّ قليلا وتُحْزِنُ حُزْنًا طَوِيلاً . قيل لِسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: مَن أَعْبَدُ الناسِ ؟ قال: رجلٌ اجْتَرَحَ مِنَ الذُّنوبِ فَكُلَّما ذَكَرَ ذُنُوبَهُ احْتَقَرَ عَمَلَهُ . وقال بِلالٌ بن سعد: لا تَكُنْ وَلِيًّا للهِ في الْعَلانِيَةِ وعَدُوَّهُ في السِّرِّ. كان عمرُ يقولُ: أَحْسِنْ بِصَاحِبِكَ الظَّنَّ حتى يَغْلِبَكَ، وإذا سَمِعْتَ كَلِمَةً مِن امْرِئٍ مُسْلِمٍٍ فلا تَحْمِلْهَا علَى شَيْءٍ مِنَ الشَّرِّ ما وَجَدْتَ لها مَحْمَلاً مِنَ الْخَيْرِ . عن محمدِ بْنِ سِيرِينَ قال: إِنَّ هَذاالْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ . قِيلَ لِحَاتِمٍ الأَصَمِّ: عَلامَ بَنَيْتَ عِلْمَكَ ؟ قال: علَى أَرْبَعٍ: علَى فَرْضٍ لا يُؤَدِّيهِ غَيْرِي فأَنا به مَشْغُولٌ، وعَلِمْتُ أنَّ رِزْقِي لا يُجَاوِزُنِي إلى غَيْرِي فَقَدْ وَثِقْتُ به، وعَلِمْتُ أَنِّي لا أَخْلُو مِن عَيْنِ اللهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فأَنا منه مُسْتَحٍ، وعَلِمْتُ أنَّ لي أَجَلاً يُبَادِرُنِي فَأُبَادِرُهُ. قال سفيان الثوري: إِنَّما الْعِلْمُ عندَنا الرُّخَصُ عَنِ الثِّقَةِ، فأَمَّا التَّشْدِيدُ فَكُلُّ إنسانٍ يُحْسِنُهُ ! عنْ أبي عَوَانَةَ قال: لو قِيلَ لِمَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ: إِنَّكَ مَيِّتٌ اليومَ أو غَدًا ، ما كان عندَه مِن مَزِيدٍ . وقالَ بِشْرٌ الْحَافِي: الْعَجَبُ أنْ تَسْتَكْثِرَ عَمَلَكَ وتَسْتَقِلَّ عَمَلَ النَّاسِ . قال إسحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ لِلْفُضَيْلِ: لَوْ حَدَّثْتَنِي بأحاديثَ فَوائِدَ ليستْ عِنْدِي ؟ فقال له الْفُضَيْلُ: إنَّك مَفْتُونٌ، أَمَا واللهِ لو عَمِلْتَ بما سَمِعْتَ ! سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ مِهْرَانَ يقول: إذا كانَ بينَ يَدَيْكَ طَعامٌ تَأْكُلُهُ، فَتَأْخُذُ اللُّقْمَةَفَتَرْمِي بِهَا خَلْفَ ظَهْرِكَ، كُلَّمَا أَخَذْتَ لُقْمَةً رَمَيْتَ بها خَلْفَ ظَهْرِكَ، مَتَى تَشْبَعُ ؟! وقال سفيان الثوري : الزُّهْدُ في الدنيا قِصَرُ الأَمَلِ، ليس بِأَكْلِ الْغَلِيظِ ولا لُبْسُ الْخَشِنِ . قال ذَرٌّ لأبيهِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ: ما بالُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَتكلَّمونَ فلا يَبْكِي أَحَدٌ، فإذا تَكلمتَ يا أَبَتِ سَمِعْتُ الْبُكاَء َمِن هاهنا وهاهنا ؟ فقال: يا بُنَيَّ، لَيْسَتِ النَّائِحَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ كَالنَّائِحَةِ الثَّكْلَى . قال أبو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ : إنَّ أَحَدَهُمْ لو سَقَطَ منه دِرْهَمٌ لَظَلَّ يَوْمَهُ يقول: إِنَّا للهِ ، ذَهَبَ دِرْهَمِي، ولا يَقُولُ ذَهَبَ يَوْمِي ما عَمِلْتُ فيه . كَتَبَ الحسنُ الْبَصْرِيُّ إلى أميرِ المؤمنينَ عُمَرَ بْنِ عبدِ العزيزِ: أَمَّا بَعْدُ، فإنَّ الدنيا دارُ ظَعْنٍ ليستْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، وإِنَّما أُنْزِلَ إليها آدمُ عُقُوبَةً ، فَاحْذَرْهَا يا أَمِيرَ المؤمنينَ، فإنَّ الزَّادَ منها تَرْكُها، وَالْغِنَى فيها فَقْرُهَا، لَها في كلِّ حِينٍ قَتِيلٌ، تُذِلُّ مَن أَعَزَّهَا، وتُفْقِرُ مَن جَمَعها، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُه مَن لا يَعْرِفُهُ وهُوَ حَتْفُهُ، فَكُنْ فيها كَالْمُدَاوِي لِجِرَاحَتِهِ، يَحْتَمِي قَلِيلاً مَخافَةَ ما يَكْرَهُ طَوِيلاً، ويَصْبِرُ على شِدَّةِ الأَذَى مَخافَةَ طُولِ الْبَلاءِ، وَاحْذَرْ هذه الدَّارَ الْغَرَّارَةَ التي قد زَيَّنَتْ بِخُدَعِهَا، وتَحَلَّتْ بِآمَالِهَا، وتَشَوَّفَتْ لِخُطَّابِهَا، وفَتَنَتْ بِغُرُورِهَا، فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمُحَلاَّةِ، الْعُيُونُ إليها ناظِرَةٌ، وَالْقُلُوبُ إليها وَالِهَةٌ، وَالنُّفُوسُ لها عاشِقَةٌ، وهِيَ لِأَزْوَاجِها كُلِّهم قاتِلَةٌ ! فَلا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ، ولا الآخِرُ علَى الأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ، ولا الْعَارِفُ بِاللهِ حِينَ أَخْبَرَهُ عنها مُدَّكِرٌ. قال سفيان: زَيِّنُوا الْعِلْمَ بأنفسِكم ولا تَزَيَّنُوا بِالْعِلْمِ قال السَّرِىُّ: خَفِيَتْ عليَّ عِلَّةٌ ثلاثينَ سَنَةً ، وذلك أنَّا كُنَّا جَماعةً نُبَكِّرُ إلى الْجُمُعَةِ، ولنا أَماكِنُ قد عُرِفَتْ بنا لا نَكادُ أَنْ نَخْلُوَ عنها ، فَماتَ رَجُلٌ مِن جِيرَانِنَا يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَيِّعَ جِنَازَتَهُ فَشَيَّعْتُهَا وأَضْحَيْتُ عن وَقْتِي ، ثم جِئْتُ أُرِيدُ الْجُمُعَةَ ، فَلَمَّا أنْ قَرُبْتُ مِنَ المسجدِ قالتْ لي نَفْسِي: الآنَ يَرَوْنَكَ وقد أَضْحَيْتَ وتَخَلَّفْتَ عن وَقْتِكَ. فَشَقَّ ذلك عليَّ ، فقلتُ لِنَفْسِي: أَرَاكِ مُرَائِيَةً مُنْذُ ثلاثينَ سَنَةً وأنا لا أَدْرِي . فَتَرَكْتُ ذلكَ المكانَ الذي كُنْتُ آتِيهِ فَجَعَلْتُ أُصَلِّي في أماكنَ مختلفةٍ لِئَلاَّ يُعْرَفَ مكاني هذا . قال أبو الدرداء: إنَّ أَخْوَفَ ما أخافُ إذا وَقَفْتُ علَى الْحِسَابِ أنْ يُقَالَ لي: قد عَلِمْتَ، فما عَمِلْتَ فيما عَلِمْتَ ؟ قِيلَ لِسُفْيَانَ : ما تَرَى فِيمَنْ كَسَبَ ثَلاثينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِن غَيْرِ حَقِّهَا وقال: أَقْعُدُ أُسَبِّحُ وأَحْمَدُ وأُكَبِّرُ حتَّى أَعْمَلَ مِنَ الْحَسناتِ بِعَدَدِ هذه ؟ فقال سفيانُ: فَلْيَرُدَّها قَبْلُ ؛ فإِنَّهُ لا يُقْبَلُ له ذِكْرٌ إِلاَّ بِرَدِّهَا . عن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ قال: هذا الَّذِي تَرَوْنَ كُلُّهُ أو عَامَّتُهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وما بِتُّ مُنْذُ ثلاثينَ سنةً إِلاَّ وأنا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ . وقال ابن مسعود : لاَ يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلاً، فَإِنْ آمَنَ آمَنَ، وإِنْ كَفَرَ كَفَرَ، فإنْ كُنْتُمْ لاَبُدََّ مُقْتَدِينَ فَاقْتَدُوا بِالْمَيِّتِ، فإِنَّ الْحَيَّ لا تُؤْمَنُ عليه الْفِتْنَةُ. وقال: رأيتُ الدُّنيا في النَّوْمِ عَجُوزًا حَدْبَاءَ مُشَوَّهَةً تُصَفِّقُ بِيَدَيْهَا، وخَلْفَها خَلْقٌ يَتْبَعُونَها يُصَفِّقُونَ ويَرْقُصُونَ، فَلَمَّا كانتْ بِحِذَائِي أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فقالتْ: لَوْ ظَفَرْتُ بكَ صَنَعْتُ بكَ ما صَنَعْتُ بِهؤلاءِ . سَأَلَ رَجُلٌ مالِكًا عن مَسْأَلَةِ فقال: لا أُحْسِنُهَا، فقال الرجلُ : لقد جِئْتُ إليكَ مِن سَفَرٍ بَعِيدٍ لأَسْأَلَكَ عنها، فقال له مالكٌ : فإذا رَجَعْتَ إلى مَكانِكَ ومَوْضِعِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي قد قُلْتُ لكَ إِنِّي لا أُحْسِنُهَا ! قال الشافعيُّ: اللَّبِيبُ الْعاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ . وقال: علَى قَدْرِ إِعْزَازِ الْمُؤْمِنِ لأَمْرِ اللهِ يُلْبِسُهُ اللهُ مِن عِزِّهِ ويُقِيمُ له الْعِزَّ في قُلوبِ المؤمنينَ، فَذَلِكَ قَوْلُه تَعالَى ( وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) سُئِلَ الْجُنَيْدُ بْنُ محمدٍ عنْ حَقِيقةِ الشُّكْرِ فقال : أَلاَّ يُسْتَعانَ بِشَيْءٍ مِن نِعَمِهِ علَى مَعاصِيه . قِيلَ لِحَمْدُونَ بْنِ أحمدَ: ما بَالُ كَلامِ السَّلَفِ أَنْفَعُ مِن كَلامِنَا ؟ قال: لأَنَّهم تَكَلَّمُوا لِعِزِّ الإسلامِ ونَجاةِ النُّفُوسِ ورِضَاءِ الرحمنِ ، ونحنُ نَتَكَلَّمُ لِعِزِّ النَّفْسِ وطَلَبِ الدُّنيا وقَبُولِ الْخَلْقِ . وقال الطّمِسْتَانِيُّ: إِيَّاكَ وَالاغْتِرَارَ بِلَعَلَّ وعَسَى ، وعليكَ بِالْهِمَّةِ، فإِنَّها مُقَدِّمَةُ الأشياءِ وعليها مَدَارُهَا وإليها رُجُوعُهَا . كان طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ إذا ذُكِرَ عندَه الاختلافُ قال: لا تَقُولُوا الاخْتِلاَفَ، ولكنْ قُولُوا : السَّعَة . قال إبراهيمُ بْنُ أحمدَ الْخَوَّاصُ : مَنْ لَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَظْفَرْ ، وإِنَّ لإِبْلِيسَ وَثاقَيْنِ ما أَوْثَقَ بَنِي آدَمَ بِأَوْثَقَ منهما : خَوْفَ الْفَقْرِ، والطَّمْعَ . وقال وكيع: مَنْ تَهَاوَنَ بِالتَّكْبِيرَةِ الأُولَى فَاغْسِلْ يَدَيْكَ منه ! قال رجلٌ لِدَاوُدَ الطائِيِّ: يا أبا سليمانَ، لقد رَضِيتَ مِنَ الدنيا بِالْيَسِيرِ، قال: أَفَلاَ أَدُلُّكَ على مَن رَضِيَ بِأَقَلَّ منها ؟ مَنْ رَضِيَ بِالدُّنيا كُلِّهَا عِوَضًا عَنِ الآخِرَةِ ! قال أبو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: إنَّه لَيْسَ بينَ الْجَنَّةِ والنَّارِ طُرُقٌ ولا فَيَافِي ، ولا مَنْزِلٌ هُنَالِكَ لِأَحَدٍ؛ مَنْ أَخْطَأَتْهُ الْجَنَّةُ صارَ إلى النَّارِ . قال سفيانُ الثوريُّ : إذا تَرَأَّسَ الرجلُ سَرِيعًا أَضَرَّ بِكَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ ، وإذا طَلَبَ وطَلَبَ بَلَغَ. قالَ أَيُّوبُ: إذا لَمْ يَكُنْ ما تُرِيدُفَأَرِدْ ما يَكُونُ. وقال شقيق البلخي : مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلَةً وهو يخافُ أنْ يَحْمِلَ شَوْكًا، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ رَجُلٍ زَرَعَ شَوْكًا وهو يَطْمَعُ أنْ يَحْصُدَ تَمْرًا، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! كُلُّ مَنْ عَمِلَ حَسَنًا فإنَّ اللهَ لا يَجْزِيهِ إِلاَّ حَسَنًا، ولا تَنْزِلُ الأَبْرَارُ مَنازِلَ الْفُجَّارِ . وقال ذو النون : مَن تَزَيَّنَ بِعَمَلِهِ كانتْ حَسناتُه سَيِّئَاتٍ . قال محمدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ لأحمدَ بْنِ حَنْبَلَ : يا أبا عَبْدِ اللهِ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فإذا صَحَّ عندَكُمُ الْحَدِيثُ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فَأَخْبِرُونَا به حَتَّى نَرْجِعَ إليه . ذُكِرَ عِنْدَ الإمامِ أَحْمَدَ يَوْمًا رَجُلٌ ، فقالَ : يا بُنَيَّ الْفَائِزُ مَن فازَ غَدًا ولَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عندَه تَبِعَةٌ . قال سفيانُ: صَحِبْنَا رَبِيعَ بْنَ خَيْثَمٍ عشرينَ سَنَةً فَما تَكَلَّمَ إِلاَّ بِكَلِمَةٍ صالحةٍ تَصْعَدُ . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنه قال: لَأَنْ أَعُولَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شَهْرًا أو جُمُعَةً أو ما شاءَ اللهُ أَحَبَّ إليَّ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةٍ . قال حاتمٌ الأصم : أََجِّلْ أربعةََ أشياءَ إلى أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ وخُذِ الْجَنَّةَ: النَّوْمَ إلى الْقَبْرِ، وَالرَّاحَةَ إلى الصِّرَاطِ، وَالْفَخْرَ إلى الْمِيزَانِ ، وَالشَّهَوَاتِ إلى الْجَنَّةِ . قال أبو الدَّرْدَاءِ: الناسُ ثلاثةٌ: عالمٌ ، ومتعلمٌ ، والثالثُ هَمَجٌ لا خَيْرَ فيه. وكَتَبَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى عمرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ يُعَزِّيهِ علَى ابْنِهِ؛ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّا قَوْمٌ مِن أَهْلِ الآخِرَةِ أُسْكِنَّا الدُّنيا، أَمْوَاتٌ أَبْنَاءُ أَمْوَاتٍ، وَالْعَجَبُ لِمَيِّتٍ يَكْتُبُ إلى مَيِّتٍ يُعَزِّيهِ عَنْ مَيِّتٍ. وَالسَّلامُ ! قال رجلٌ لِلْحَسَنِ : يا أبا سَعِيدٍ: الرَّجُلُ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ، ثمَّ يُذْنِبُ ثم يَتُوبُ، حَتَّى مَتى؟ قال: ما أَعْلَمُ هذا إِلاَّ أَخْلاَقَ الْمُؤْمِنِينَ . قال أبو حَبِيبٍ الْبَدَوِيُّ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مَنْعُ اللهِ عَطاءٌ، وذلك أَنَّه لا يَمْنَعُ مِن بُخْلٍ ولا عُدْمٍ ، إِنَّما مَنْعُهُ نَظَرٌ وَاخْتِبَارٌ . قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: لَيْسَتِ الدَّارُ دَارَ إِقَامَةٍ، وإِنَّما أُهْبِطَ آدَمُ إليها عُقُوبَةً، أَلاَ تَرَى كيفَ يَزْوِيهَا عنه ، يُمَرِّرُ عليه بِالْجُوعِ مَرَّةً وبِالْعُرْيِ مَرَّةً وبِالْحَاجَةِ مَرَّةً ؟ كَما تَصْنَعُ الْوَالِدَةُ الشَّفِيقَةُ بِوَلَدِهَا، تَسْقِيهِ مَرَّةً حَضِيضًا ومَرَّةً صَبِرًا ، وإِنَّما تُرِيدُ بذلكَ ما هو خَيْرٌ له . مَرَّ أبو حازِمٍ بِأَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ وهو مُكْتَئِبٌ حَزِينٌ، فقال: مالي أَراكَ مُكْتَئِبًا حَزِينًا، وإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ ! قال: أَخْبِرْنِي ما وَرَاءَكَ ، قال: ذَكَرْتَ وَلَدَكَ مِنْ بَعْدِكَ، قال: نَعَمْ ، قال: فَلا تَفْعَلْ ، فَإِنْ كانوا للهِ أَوْلِيَاءَ فَلا تَخَفْ عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ ، وإِنْ كانوا للهِ أَعْدَاءً فَلا تُبَالِ ما لَقُوا بَعْدَكَ . وقال سفيان بْنُعُيَيْنَةَ: الْعِلْمُ إِنْ لَمْ يَنْفَعْكَ ضَرَّكَ ! قال ابْنُ سِيرِينَ: إِنِّي لأَعْرِفُ الذَّنْبَ الذِي حُمِلَ عَلَيَّ به الدَّيْنُ ما هو ؛ قُلْتُ لِرَجُلٍ مِن أَرْبَعِينَ سنةً يَا مُفْلِسُ!فَلَمَّا سَمِعَ أبو سليمانَ الدَّارَانِيُّ ذلكَ قال: قَلَّتْ ذُنُوبُهم فَعَرَفُوا مِن أَيْنَ يُؤْتَوْنَ ، وكَثُرَتْ ذُنُوبُنَا وذُنُوبُكَ فَلَيْسَ نَدْرِي مِن أينَ نُؤْتَى . كانَ ابْنُ عَيَّاشٍ الْمَنْتُوفُ يَقَعُ في عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ ويَشْتُمُهُ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ فقال: يا هذا لا تُفْرِطْ في شَتْمِنَا وأَبْقِ لِلصُّلْحِ مَوْضِعًا، فَإِنَّا لا نُكَافِئُ مَنْ عَصَى اللهَ فِينَا بِأَكْثَرَ مِنْ أنْ نُطِيعَ اللهَ فيه . كان القلانسيُّ يقولُ: بِنَاءُ مَذْهَبِنَا علَى شَرَائِطَ ثَلاثٍ: لا نُطَالِبُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بِوَاجِبِ حَقِّنَا، ونُطَالِبُ أَنْفُسَنا بِحُقُوقِ الناسِ ، ونُلْزِمُ أَنْفُسَنا التَّقْصِيرَ في جميعِ ما نَأْتِي به . كان بينَ خالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وسَعْدٍ كَلامٌ ، فَذَهَبَ رجلٌ يَقَعُ في خالدٍ عندَ سَعْدٍ فقالَ سعدٌ : مَهٍ ، إنَّ ما بَيْنَنا لَمْ يَبْلُغْ دِينَنا ! قال رجلٌ لِبِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ: عِظْنِي، قال: عَسْكَرُ الْمَوْتَى يَنْتَظِرُونَكَ! سَأَلَ رَجُلٌ أبا سُلَيْمَانَ عن أَقْرَبِ ما يَتَقَرَّبُ به الْعَبْدُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ، فَبَكَى أبو سُلَيْمَانَ وقال: أَفْضَلُ ما يَتَقَرَّبُ به الْعَبْدُ إلى اللهِ أَنْ يَطَّلِعَ علَى قَلْبِكَ وأَنْتَ لا تُرِيدُ مِنَ الدُّنيا والآخِرَةِ غَيْرَهُ . قال رجلٌ لِلْحَسَنِ : يا أبا سَعِيدٍ: الرَّجُلُ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ، ثمَّ يُذْنِبُ ثم يَتُوبُ، حَتَّى مَتى؟ قال: ما أَعْلَمُ هذا إِلاَّ أَخْلاَقَ الْمُؤْمِنِينَ . عادَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فقالَ سُفْيَانُ: يا أَبا سَلَمَةَ أَتَرَى يَغْفِرُ اللهُ لِمِثْلِي؟ فقالَ حَمَّادٌ: واللهِ لَوْ خُيِّرْتُ بينَ مُحَاسَبَةِ اللهِ إِيَّايَ وبينَ مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ لَاخْتَرْتُ مُحاسَبةَ اللهِ تَعالَى على مُحَاسَبةِ أَبَوَيَّ، وذلكَ أنَّ اللهَ تَعالَى أَرْحَمُ بِي مِن أَبَوَيَّ . قال غَسَّانُ بْنُ الْفَضْلِ: كان بِشْرٌ مِنَ الَّذِينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ ، وإذا رأيتَ وَجْهَهُ ذَكَرْتَ الآخرةَ، رَجُلٌ مُنْبَسِطٌ ليس بِمُتَمَاوِتٍ. قال الْجُنَيْدُ : أَعْلَى دَرَجَةِ الْكِبْرِ وشَرِّهَا أنْ تَرَى نَفْسَكَ فَوْقَ غَيْرِهَا، وأَدْنَاهَا في الشَّرِّ أنْ تَخْطُرَ بِبَالِكَ! وقال يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: كَيْفَ أَمْتَنِعُ بِالذَّنْبِ مِن رَجَائِكَ، ولا أُرَاكَ تَمْتَنِعُ لِلذَّنْبِ مِن عَطائِكَ . قالَ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ: لَيْسَ مِن أَعْلاَمِ الْحُبِّ أنْ تُحِبَّ ما يُبْغِضُ حَبِيبُكَ. قال حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: ما أَتَيْنَا سليمانَ التَّيْمِيَّ في ساعَةٍ يُطَاعُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ فيها إِلاَّ وَجَدْنَاهُ مُطِيعًا؛ إِنْ كانَ في ساعَةِ صَلاةٍ وَجَدْنَاهُ مُصَلِّيًا، وإنْ لَمْ تَكُنْ ساعةَ صَلاةٍ وَجَدْنَاهُ إِمَّا مُتَوَضِّئًا أو عَائِدًا مَرِيضًا أو مُشَيِّعًا لِجِنَازَةٍ أو قاعِدًا في الْمَسْجِدِ. فَكُنَّا نَرَى أنَّه لا يُحْسِنُ يَعْصِي اللهَ عَزَّ وجَلَّ ! قال الفضيلُ بنُ عِياضٍ لابْنِه: يا عَلِيُّ، لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّكَ تُسَاوِي شيئًا، الذُّبَابُ أَطْوَعُ للهِ مِنْكَ ! قال أبو الدرداء: مُعَاتَبَةُ الأَخِ خَيْرٌ لكَ مِن فَقْدِهِ، ومَنْ لكَ بِأَخِيكَ كُلِّه، أَعْطِ أخاكَ ولِنْ له، ولا تُطِعْ فيه حاسِدًا فَتَكُونَ مِثْلَهُ، إذًا يَأْتِيكَ الْمَوْتُ فَيَكْفِيكَ فَقْدُهُ، وكيفَ تَبْكِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وفي حَياتِه ما قَدْ كُنْتَ تَرَكْْتَ وَصْلَهُ ؟ قال الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: إِنَّما جُعِلَتِ الْعِلَلُ لِيُؤَدَّبَ بها الْعِبَادُ، ليس كُلُّ مَن مَرِضَ ماتَ ! عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أنَّه قال: ما فَاتَتْنِي الصَّلاةُ في الجماعةِ مُنْذُ أربعينَ سنةً،وما أذَّنَ الْمُؤَذِّنُ مُنْذُ ثلاثينَ سنةً إِلاَّ وأنا في الْمَسْجِدِ . عن سعيدِبنِ الْمُسَيَّبِ قال: مَنِ اسْتَغْنَى بِاللهِ افْتَقَرَ الناسُ إليه . قال سفيانُ الثوريُّ: حُرِمْتُ قِيَامَ اللَّيْلِ بِذَنْبٍ أَحْدَثْتُهُ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ . سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ: هَلْ كانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُونَ ؟ قال: نَعَمْ، والإيمانُ في قُلُوبِهم أَعْظَمُ مِنَ الْجِبَالِ . قال الشافعي: السَّخَاءُ وَالْكَرَمُ يُغَطِّيَانِ عُيُوبَ الدُّنيا والآخِرَةِ، بَعْدَ أَلاَّ يَلْحَقَهُمَا بِدْعَةٌ . صَعَدَ سفيانُ الثوريُّ يُؤَذِّنُ الْعَصْرَ وتَرَكَ نَعْلَيْهِ في الْمِحْرَابِ، فَلَمَّا صَعَدَ رَأَى ابْنَ عَمٍّ له قَدْ أَخَذَ نَعْلَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّى أَرْسَلَ إليه بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ! قال بِشْرٌ الْحَافِي: إنْ لَمْ تَعْمَلْ بِالطَّاعَةِ فَلا تَعْصِ . وقالَ: لَيْسَ سَاعَةٌ مِن ساعاتِ الدُّنيا إِلاَّ وَهِيَ مَعْرُوضَةٌ علَى الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمًا فَيَوْمًا وسَاعةً فَساعةً، ولا تَمُرُّ به ساعةٌ لَمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعالَى فيها إِلاَّ تَقَطَّعَتْ نَفْسُه عليها حَسَرَاتٍ، فَكَيْفَ إذا مَرَّتْ به ساعةٌ معَ ساعةٍ ويومٌ معَ يومٍ ولَيْلَةٌ مَعَ لَيْلَةٍ ؟‍‍! رَوَى عبدُ الرحمنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قال: كانَ أبي يقولُ: أَيْ بُنَيَّ، وكيفَ تُعْجِبُكَ نَفْسُكَ وأنتَ لا تَشاءُ أنْ تَرَى مِن عِبَادِ اللهِ مَن هوَ خَيْرٌ مِنْكَ إِلاَّ رَأَيْتَهُ ؟ يا بُنَيَّ لا تَرَى أَنَّكَ خَيْرٌ مِن أَحَدٍ يَقُولُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ حتَّى تَدْخُلَ الْجنةَ ويَدْخُلَ النارَ ، فإذا دخلتَ الجنةَ ودخلَ النارَ تَبَيَّنَ لكَ أَنَّكَ خيرٌ منه .